الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال تعالى : ( وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته حتى إذا أقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون ) ( 57 ) .

قوله تعالى : ( بشرا ) : يقرأ بالنون والشين مضمومتين ، وهو جمع ، وفي واحده وجهان : أحدهما : نشور ، مثل صبور وصبر ، فعلى هذا يجوز أن يكون فعول بمعنى فاعل ؛ أي : ينشر الأرض ، ويجوز أن يكون بمعنى مفعول كركوب بمعنى مركوب ؛ أي : منشورة [ ص: 429 ] بعد الطي ، أو منشرة ؛ أي : محياة من قولك ؛ أنشر الله الميت فهو منشر . ويجوز أن يكون جمع ناشر ، مثل نازل ونزل ، ويقرأ بضم النون ، وإسكان الشين على تخفيف المضموم ، ويقرأ : نشرا بفتح النون ، وإسكان الشين ، وهو مصدر نشر بعد الطي ، أو من قولك أنشر الله الميت فنشر ؛ أي : عاش ونصبه على الحال ؛ أي : ناشرة أو ذات نشر ، كما تقول جاء ركضا ؛ أي : راكضا . ويقرأ " بشرا " بالباء وضمتين ، وهو جمع بشير ، مثل قليب وقلب ، ويقرأ كذلك إلا أنه بسكون الشين على التخفيف ، ومثله في المعنى ( يرسل الرياح مبشرات ) [ الروم : 46 ] . ويقرأ " بشرى " مثل حبلى ؛ أي : ذات بشارة ، ويقرأ : " بشرا " بفتح الباء وسكون الشين ، وهو مصدر بشرته إذا بشرته . ( سحابا ) : جمع سحابة ، وكذلك وصفها بالجمع . ( لبلد ) : أي : لإحياء بلد . ( به الماء ) : الهاء ضمير الباء ، أو ضمير السحاب ، أو ضمير الريح ، وكذلك الهاء في " به " الثانية .

قال تعالى : ( والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا كذلك نصرف الآيات لقوم يشكرون ) ( 58 ) .

قوله تعالى : ( يخرج نباته ) : يقرأ بفتح الياء وضم الراء ورفع النبات ، ويقرأ كذلك إلا أنه بضم الياء على ما لم يسم فاعله ، ويقرأ بضم الياء ، وكسر الراء ، ونصب النبات ؛ أي : فيخرج الله ، أو الماء : بإذن ربه متعلق بيخرج . ( إلا نكدا ) : بفتح النون وكسر الكاف ، وهو حال . ويقرأ بفتحهما على أنه مصدر ؛ أي : ذا نكد ، ويقرأ بفتح النون وسكون الكاف وهو مصدر أيضا ، وهو لغة ، ويقرأ " يخرج " بضم الياء ، وكسر الراء ، ونكدا مفعوله .

قال تعالى : ( لقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم ) ( 59 ) .

قوله تعالى : ( ما لكم من إله غيره ) : " من " زائدة ، و " إله " مبتدأ ، و " لكم " الخبر .

وقيل : الخبر محذوف ؛ أي : ما لكم من إله في الوجود ، و " لكم " تخصيص وتبيين . و " غيره " بالرفع فيه وجهان : أحدهما : هو صفة " لإله " على الموضع . والثاني : هو [ ص: 430 ] بدل من الموضع ، مثل : لا إله إلا الله . ويقرأ بالنصب على الاستثناء ، وبالجر صفة على اللفظ . ( عذاب يوم عظيم ) : وصف اليوم بالعظم ، والمراد عظم ما فيه .

قال تعالى : ( قال الملأ من قومه إنا لنراك في ضلال مبين ) ( 60 ) .

قوله تعالى : ( من قومه ) : حال من الملأ ، و ( نراك ) : من رؤية العين ، فيكون ( في ضلال ) : حالا . ويجوز أن تكون من رؤية القلب فيكون مفعولا ثانيا .

قال تعالى : ( قال يا قوم ليس بي ضلالة ولكني رسول من رب العالمين ( 61 ) أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم وأعلم من الله ما لا تعلمون ) ( 62 ) .

قوله تعالى : ( أبلغكم ) : يجوز أن يكون مستأنفا ، وأن يكون صفة لرسول على المعنى ؛ لأن الرسول هو الضمير في " لكني " ، ولو كان يبلغكم لجاز ؛ لأنه يعود على لفظ رسول ، ويجوز أن يكون حالا ، والعامل فيه الجار من قوله : ( من رب ) ، ( وأعلم من الله ) : بمعنى أعرف ، فيتعدى إلى مفعول واحد ، وهو " ما " وهي بمعنى الذي ، أو نكرة موصوفة ، ومن الله فيه وجهان : أحدهما : هو متعلق بأعلم ؛ أي : ابتداء علمي من عند الله . والثاني : أن يكون حالا من " ما " أو من العائد المحذوف .

التالي السابق


الخدمات العلمية