الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال تعالى : ( غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) قوله تعالى : ( غير المغضوب ) يقرأ بالجر ، وفيه ثلاثة أوجه : أحدهما : أنه بدل من الذين . والثاني : أنه بدل من الهاء والميم في عليهم . والثالث : أنه صفة للذين .

فإن قلت الذين معرفة " وغير " لا يتعرف بالإضافة ، فلا يصح أن يكون صفة له ، ففيه جوابان . أحدهما : أن " غير " إذا وقعت بين متضادين ، وكانا معرفتين تعرفت بالإضافة ; كقولك عجبت من الحركة غير السكون ; وكذلك الأمر هنا ; لأن المنعم عليه ، والمغضوب عليه متضادان . والجواب الثاني : أن الذين قريب من النكرة ; لأنه لم يقصد به قصد قوم بأعيانهم ; وغير المغضوب قريبة من المعرفة بالتخصيص الحاصل لها بالإضافة ; فكل واحد منهما فيه إبهام من وجه واختصاص من وجه .

ويقرأ ( غير ) بالنصب ، وفيه ثلاثة أوجه : أحدها : أنه حال من الهاء والميم ، والعامل فيها أنعمت ، ويضعف أن يكون حالا من الذين ; لأنه مضاف إليه ، والصراط لا يصح أن يعمل بنفسه في الحال ; وقد قيل إنه ينتصب على الحال من الذين ، ويعمل فيها معنى الإضافة . والوجه الثاني : أنه ينتصب على الاستثناء من الذين ، أو من الهاء والميم . والثالث أنه ينتصب بإضمار أعني .

و ( المغضوب ) مفعول من غضب عليه ، وهو لازم ، والقائم مقام الفاعل [ ص: 16 ] " عليهم " . والتقدير : غير الفريق المغضوب ، ولا ضمير في المغضوب ; لقيام الجار والمجرور مقام الفاعل ، ولذلك لم يجمع ، فيقال الفريق المغضوبين عليهم ; لأن اسم الفاعل والمفعول إذا عمل فيما بعده لم يجمع جمع السلامة .

( ولا الضالين ) : ( لا ) زائدة عند البصريين للتوكيد ، وعند الكوفيين هي بمعنى غير ، كما قالوا : جئت بلا شيء ، فأدخلوا عليها حرف الجر ، فيكون لها حكم غير .

وأجاب البصريون عن هذا بأن ( لا ) دخلت للمعنى ، فتخطاها العامل ، كما يتخطى الألف واللام ، والجمهور على ترك الهمز في الضالين ، وقرأ أيوب السختياني بهمزة مفتوحة ، وهي لغة فاشية في العرب في كل ألف وقع بعدها حرف مشدد ، نحو ضال ، ودابة ، وجان ; والعلة في ذلك أنه قلب الألف همزة لتصح حركتها لئلا يجمع بين ساكنين .

التالي السابق


الخدمات العلمية