الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال تعالى : ( لن يضروكم إلا أذى وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ثم لا ينصرون ( 111 ) ) .

قوله تعالى : ( إلا أذى ) : أذى مصدر من معنى يضروكم ; لأن الأذى والضرر متقاربان في المعنى ، فعلى هذا يكون الاستثناء متصلا . وقيل : هو منقطع ; لأن المعنى لن يضروكم بالهزيمة ، لكن يؤذوكم بتصديكم لقتالهم . ( يولوكم الأدبار ) : الأدبار مفعول ثان ، والمعنى : يجعلون ظهورهم تليكم .

[ ص: 228 ] ( ثم لا ينصرون ) : مستأنف ، ولا يجوز الجزم عند بعضهم عطفا على جواب الشرط ; لأن جواب الشرط يقع عقيب المشروط ; وثم للتراخي ; فلذلك لم تصلح في جواب الشرط ، والمعطوف على الجواب كالجواب ، وهذا خطأ ; لأن الجزم في مثله قد جاء في قوله ( ثم لا يكونوا أمثالكم ) [ محمد : 38 ] وإنما استؤنف هنا ليدل على أن الله لا ينصرهم قاتلوا أو لم يقاتلوا .

قال تعالى : ( ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس وباءوا بغضب من الله وضربت عليهم المسكنة ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء بغير حق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ( 112 ) ) .

قوله تعالى : ( إلا بحبل ) : في موضع نصب على الحال ، تقديره : ضربت عليهم الذلة في كل حال ، إلا في حال عقد العهد لهم ، فالباء متعلقة بمحذوف ; تقديره : إلا متمسكين بحبل .

قال تعالى : ( ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون ( 113 ) ) .

قوله تعالى : ( ليسوا ) : الواو اسم ليس ، وهي راجعة على المذكورين قبلها ، و ( سواء ) : خبرها ; أي ليسوا مستوين ، ثم استأنف فقال : ( من أهل الكتاب أمة قائمة ) : فأمة مبتدأ ، وقائمة نعت له ، والجار قبله خبره ، ويجوز أن تكون أمة فاعل الجار ، وقد وضع الظاهر هنا موضع المضمر ، والأصل منهم أمة . وقيل : أمة رفع بسواء ، وهذا ضعيف في المعنى والإعراب ; لأنه منقطع مما قبله ، ولا يصح أن تكون الجملة خبر ليس . وقيل : أمة اسم ليس ، والواو فيها حرف يدل على الجمع ، كما قالوا : أكلوني البراغيث . وسواء الخبر ، وهذا ضعيف ، إذ ليس الغرض بيان تفاوت الأمة القائمة التالية لآيات الله ، بل الغرض أن من أهل الكتاب مؤمنا وكافرا . ( يتلون ) : صفة أخرى لأمة . ويجوز أن يكون حالا من الضمير في قائمة ، أو من الأمة ; لأنها قد وصفت ، والعامل على هذا الاستقرار .

و ( آناء الليل ) : ظرف ليتلون لا لقائمة ; لأن قائمة قد وصفت فلا تعمل فيما بعد الصفة ، وواحد الآناء إنى مثل معى ، ومنهم من يفتح الهمزة ، فيصير على وزن عصا ، ومنهم من يقول إني بالياء وكسر الهمزة . ( وهم يسجدون ) : حال من الضمير في يتلون ، أو في قائمة . ويجوز أن يكون مستأنفا ، وكذلك " يؤمنون . ويأمرون . وينهون " إن شئت جعلتها أحوالا ، وإن شئت استأنفتها .

قال تعالى : ( وما يفعلوا من خير فلن يكفروه والله عليم بالمتقين ( 115 ) ) .

[ ص: 229 ] قوله تعالى : ( وما يفعلوا ) : يقرأ بالتاء على الخطاب ، وبالياء حملا على الذي قبله .

قال تعالى : ( مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيها صر أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم فأهلكته وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون ( 117 ) ) .

قوله تعالى : ( كمثل ريح ) : فيه حذف مضاف تقديره : كمثل مهلك ريح ; أي ما ينفقون هالك كالذي تهلكه . ( فيها صر ) : مبتدأ وخبر في موضع صفة الريح . ويجوز أن ترفع صرا بالظرف ; لأنه قد اعتمد على ما قبله . و ( أصابت ) : في موضع جر أيضا صفة لريح ; ولا يجوز أن تكون صفة لـ ( صر ) ; لأن الصر مذكر ، والضمير في أصابت مؤنث . وقيل : ليس في الكلام حذف مضاف ، بل تشبيه ما أنفقوا بمعنى الكلام ، وذلك أن قوله : ( كمثل ريح . . . . ) إلى قوله : ( فأهلكته ) متصل بعضه ببعض ، فامتزجت المعاني فيه ، وفهم المعنى . ( ظلموا ) : صفة لقوم .

التالي السابق


الخدمات العلمية