الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال تعالى : ( قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة أغير الله تدعون إن كنتم صادقين ) ( 40 ) .

قوله تعالى : ( قل أرأيتكم ) : يقرأ بإلقاء حركة الهمزة على اللام ؛ فتنفتح اللام ، وتحذف الهمزة ، وهو قياس مطرد في القرآن وغيره ، والغرض منه التخفيف .

ويقرأ بالتحقيق ، وهو الأصل ، وأما الهمزة التي بعد الراء فتحقق على الأصل ، وتلين للتخفيف ، وتحذف ، وطريق ذلك أن تقلب ياء ، وتسكن ، ثم تحذف لالتقاء الساكنين ، قرب ذلك فيها حذفها في مستقبل هذا الفعل .

فأما التاء فضمير الفاعل ، فإذا اتصلت بها الكاف التي للخطاب كانت بلفظ واحد في التثنية والجمع والتأنيث . وتختلف هذه المعاني على الكاف ؛ فتقول في الواحد أرأيتك ، ومنه قوله تعالى : ( أرأيتك هذا الذي كرمت علي ) [ الإسراء : 62 ] وفي التثنية أرأيتكما ، وفي الجمع أرأيتكم ، وفي المؤنث أرأيتكن ، والتاء في جميع ذلك مفتوحة .

والكاف حرف للخطاب ، وليست اسما ، والدليل على ذلك أنها لو كانت اسما لكانت إما مجرورة ، وهو باطل ، إذ لا جار هنا ، أو مرفوعة ، وهو باطل أيضا ؛ لأمرين أحدهما : أن الكاف ليست من ضمائر المرفوع .

والثاني : أنه لا رافع لها إذ ليست فاعلا ؛ لأن التاء فاعل ، ولا يكون لفعل واحد فاعلان ، وإما أن تكون منصوبة ، وذلك باطل لثلاثة أوجه : [ ص: 369 ] أحدها : أن هذا الفعل يتعدى إلى مفعولين ، كقولك : أرأيت زيدا ما فعل ، فلو جعلت الكاف مفعولا لكان ثالثا . والثاني : أنه لو كان مفعولا لكان هو الفاعل في المعنى ، وليس المعنى على ذلك ، إذ ليس الغرض أرأيت نفسك ؛ بل أرأيت غيرك ، ولذلك قلت أرأيتك زيدا ، وزيد غير المخاطب ، ولا هو بدل منه . والثالث : أنه لو كان منصوبا على أنه مفعول ، لظهرت علامة التثنية والجمع والتأنيث في التاء ، فكنت تقول أرأيتماكما ، وأرأيتموكم ، وأرأيتكن .

وقد ذهب الفراء إلى أن الكاف اسم مضمر منصوب في معنى المرفوع ، وفيما ذكرناه إبطال لمذهبه ، فأما مفعول أرأيتكم في هذه الآية ، فقال قوم : هو محذوف دل الكلام عليه ؛ تقديره : أرأيتكم عبادتكم الأصنام ، هل تنفعكم عند مجيء الساعة ، ودل عليه قوله : " أغير الله تدعون " .

وقال آخرون : لا يحتاج هذا إلى مفعول ؛ لأن الشرط وجوابه قد حصل معنى المفعول ، وأما جواب الشرط الذي هو قوله : " إن أتاكم عذاب الله " فما دل عليه الاستفهام في قوله : " أغير الله " تقديره : إن أتتكم الساعة دعوتم الله .

" وغير " منصوب بـ : " تدعون " .

قال تعالى : ( بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء وتنسون ما تشركون ) ( 41 ) .

قوله تعالى : ( بل إياه ) : هو مفعول " تدعون " الذي بعده .

( إليه ) : يجوز أن يتعلق بتدعون ، وأن يتعلق بيكشف ؛ أي : يرفعه إليه .

و " ما " بمعنى الذي ، أو نكرة موصوفة ، وليست مصدرية إلا أن تجعلها مصدرا بمعنى المفعول .

قال تعالى : ( ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون ) ( 42 ) .

قوله تعالى : ( بالبأساء والضراء ) : فعلاء فيهما مؤنث لم يستعمل منه مذكر ، لم يقولوا : بأس وبأساء ، وضر وضراء ، كما قالوا : أحمر وحمراء .

قال تعالى : ( فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون ) ( 43 ) .

قوله تعالى : ( فلولا إذ ) : " إذ " في موضع نصب ظرف لـ " تضرعوا " ؛ أي : فلولا تضرعوا إذ . ( ولكن ) : استدراك على المعنى ؛ أي : ما تضرعوا ولكن .

قال تعالى : ( فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون ) ( 44 ) .

[ ص: 370 ] قوله تعالى : ( بغتة ) : مصدرية في موضع الحال من الفاعل ؛ أي : مباغتين ، أو من المفعولين أو مبغوتين .

ويجوز أن يكون مصدرا على المعنى ؛ لأن أخذناهم بمعنى بغتناهم .

( فإذا هم ) : إذا هنا للمفاجأة ، وهي ظرف مكان ، وهم مبتدأ ، و ( مبلسون ) : خبره ، وهو العامل في إذا .

قال تعالى : ( قل أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم من إله غير الله يأتيكم به انظر كيف نصرف الآيات ثم هم يصدفون ) ( 46 ) .

قوله تعالى : ( إن أخذ الله سمعكم ) : قد ذكرنا الوجه في إفراد السمع مع جمع الأبصار والقلوب في أول البقرة . ( من ) : استفهام في موضع رفع بالابتداء ، و : ( إله ) : خبره ، و ( غير الله ) : صفة الخبر . و ( يأتيكم ) : في موضع الصفة أيضا ، والاستفهام هنا بمعنى الإنكار .

والهاء في " به " تعود على السمع ، لأنه المذكور أولا . وقيل : تعود على معنى المأخوذ والمحتوم عليه ، فلذلك أفرد . " كيف " حال ، والعامل فيها " نصرف " .

التالي السابق


الخدمات العلمية