الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال تعالى : ( وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه ولا تتخذوا آيات الله هزوا واذكروا نعمة الله عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به واتقوا الله واعلموا أن الله بكل شيء عليم ( 231 ) ) .

قوله تعالى : ( ضرارا ) : مفعول من أجله .

ويجوز أن يكون مصدرا في موضع الحال ; أي مضارين ; كقولك جاء زيد ركضا .

و ( لتعتدوا ) : اللام متعلقة بالضرار . ويجوز أن تكون اللام لام العاقبة .

( نعمة الله عليكم ) : يجوز أن يكون " عليكم " في موضع نصب بنعمة لأنها مصدر ; أي أن أنعم عليكم ، ويجوز أن يكون حالا منها فيتعلق بمحذوف .

( وما أنزل ) : يجوز أن يكون " ما " في موضع نصب عطفا على النعمة فعلى هذا يكون " يعظم " حالا إن شئت من ما والعائد إليها الهاء في به وإن شئت من اسم الله .

ويجوز أن تكون ما مبتدأ ويعظكم خبره . و ( من الكتاب ) : حال من الهاء المحذوفة ، تقديره : وما أنزله عليكم .

قال تعالى : ( وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف ذلك يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر ذلكم أزكى لكم وأطهر والله يعلم وأنتم لا تعلمون ( 232 ) ) .

[ ص: 149 ] قوله تعالى : ( أن ينكحن ) : تقديره : من أن ينكحن ، أو عن أن ينكحن ، فلما حذف الحرف ، صار في موضع نصب عند سيبويه ، وعند الخليل هو في موضع جر .

( إذا تراضوا ) : ظرف لأن ينكحن ، وإن شئت جعلته ظرفا لتعضلوهن .

( بالمعروف ) : يجوز أن يكون حالا من الفاعل ، وأن يكون صفة لمصدر محذوف ; أي تراضيا كائنا بالمعروف ، وأن يتعلق بنفس الفعل .

( ذلك ) : ظاهر اللفظ يقتضي أن يكون ذلكم ; لأن الخطاب في الآية كلها للجمع ، فأما الإفراد فيجوز أن يكون للنبي صلى الله عليه وسلم - وحده ، وأن يكون لكل إنسان ، وأن يكون اكتفى بالواحد عن الجمع . ( أزكى لكم ) : الألف في أزكى مبدلة من واو ; لأنه من زكا يزكو .

و ( لكم ) : صفة له ( وأطهر ) : أي لكم .

قال تعالى : ( والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس إلا وسعها لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده وعلى الوارث مثل ذلك فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف واتقوا الله واعلموا أن الله بما تعملون بصير ( 233 ) ) .

قوله عز وجل : ( والوالدات ) : الوالدات والوالدة : صفتان غالبتان ; فلذلك لا يذكر الموصوف معهما لجريهما مجرى الأسماء . و ( يرضعن ) : مثل يتربصن ، وقد ذكر ( حولين ) : ظرف ، و ( كاملين ) صفة له ; وفائدة هذه الصفة اعتبار الحولين من غير نقص ، ولولا ذكر الصفة لجاز أن يحمل على ما دون الحولين بالشهر والشهرين .

( لمن أراد ) : تقديره : ذلك لمن أراد . ( أن يتم ) : الجمهور على ضم الياء ، وتسمية الفاعل ، ونصب " الرضاعة " .

وتقرأ بالتاء مفتوحة ورفع الرضاعة . والجيد فتح الراء في الرضاعة ، وكسرها جائز . وقد قرئ به .

( وعلى المولود ) : الألف واللام بمعنى الذي ، والعائد عليها الهاء في " له " وله القائم مقام الفاعل . ( بالمعروف ) : حال من الرزق والكسوة ، والعامل فيها معنى الاستقرار في على .

[ ص: 150 ] ( إلا وسعها ) : مفعول ثان ، وليس بمنصوب على الاستثناء ; لأن " كلف " تتعدى إلى مفعولين ، ولو رفع الوسع هنا لم يجز ; لأنه ليس ببدل .

( لا تضار ) : يقرأ بضم الراء وتشديدها . وفيها وجهان : أحدهما : أنه على تسمية الفاعل ، وتقديره : لا تضارر - بكسر الراء الأولى ، والمفعول على هذا محذوف تقديره : لا تضار والدة والدا بسبب ولدها .

والثاني : أن تكون الراء الأولى مفتوحة على ما لم يسم فاعله ، وأدغم لأن الحرفين مثلان ، ورفع لأن لفظه لفظ الخبر ، ومعناه النهي .

ويقرأ بفتح الراء وتشديدها على أنه نهي ، وحرك لالتقاء الساكنين ، وكان الفتح أولى لتجانس الألف والفتحة قبلها ، وعلى هذه القراءة يجوز أن يكون أصله تضارر وتضارر على تسمية الفاعل وترك تسميته على ما ذكرنا في قراءة الرفع .

وقرئ شاذا بسكون الراء والوجه فيه أن يكون حذف الراء الثانية فرارا من التشديد في الحرف المكرر ، وهو الراء ، وجاز الجمع بين الساكنين ; إما لأنه أجرى الوصل مجرى الوقف ، أو لأن مدة الألف تجري مجرى الحركة .

( عن تراض ) : في موضع نصب صفة لفصال . ويجوز أن يتعلق بأرادا .

( وتشاور ) : أي منهما . ( تسترضعوا ) : مفعوله محذوف ; تقديره : أجنبية ; أو غير الأم .

( أولادكم ) : مفعول حذف منه حرف الجر تقديره : لأولادكم ; فتعدى الفعل إليه ; كقوله : أمرتك الخير . ( فلا جناح ) : الفاء جواب الشرط . و ( إذا سلمتم ) : شرط أيضا ، وجوابه ما يدل عليه الشرط الأول وجوابه ; وذلك المعنى هو العامل في إذا .

[ ص: 151 ] ( ما آتيتم ) : يقرأ بالمد ، والمفعولان محذوفان ; تقديره : ما أعطيتموهن إياه . ويقرأ بالقصر ; تقديره : ما جئتم به ، فحذف .

وقال أبو علي : تقديره : ما جئتم نقده أو تعجيله ; كما تقول : أتيت الأمر ; أي فعلته .

التالي السابق


الخدمات العلمية