الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال تعالى : ( إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ويكفر عنكم من سيئاتكم والله بما تعملون خبير ( 271 ) ) .

قوله تعالى : ( فنعما ) : نعم فعل جامد لا يكون فيه مستقبل ، وأصله نعم كعلم ، وقد جاء على ذلك في الشعر إلا أنهم سكنوا العين ، ونقلوا حركتها إلى النون ، ليكون دليلا على الأصل ، ومنهم من يترك النون مفتوحة على الأصل .

ومنهم من يكسر النون والعين إتباعا ، وبكل قد قرئ .

وفيه قراءة أخرى هنا ; وهي إسكان العين والميم ، مع الإدغام وهو بعيد لما فيه من الجمع بين الساكنين ; وقيل : إن الراوي لم يضبط القراءة ; لأن القارئ اختلس كسرة العين فظنه إسكانا ، وفاعل نعم مضمر ، وما بمعنى شيء ، وهو المخصوص بالمدح ; أي نعم الشيء شيئا . ( هي ) : خبر مبتدأ محذوف كأن قائلا قال ما الشيء الممدوح فيقال هي ; أي الممدوح الصدقة وفيه وجه آخر وهو أن يكون هي مبتدأ مؤخرا ونعم وفاعلها الخبر ; أي الصدقة نعم الشيء ، واستغنى عن ضمير يعود على المبتدأ لاشتمال الجنس على المبتدأ .

[ ص: 180 ] ( فهو خير لكم ) : الجملة جواب الشرط ، وموضعها جزم ، وهو ضمير مصدر لم يذكر ، ولكن ذكر فعله ; والتقدير : فالإخفاء خير لكم ، أو فدفعها إلى الفقراء في خفية خير . ( ويكفر عنكم ) : يقرأ بالنون على إسناد الفعل إلى الله - عز وجل - .

ويقرأ بالياء على هذا التقدير أيضا ، وعلى تقدير آخر ; وهو أن يكون الفاعل ضمير الإخفاء .

ويقرأ وتكفر - بالتاء - على أن الفعل مسند إلى ضمير الصدقة .

ويقرأ بجزم الراء عطفا على موضع فهو ، وبالرفع على إضمار مبتدأ ; أي ونحن ، أو وهي . و ( من ) : هنا زائدة عند الأخفش ; فيكون : سيئاتكم المفعول ، وعند سيبويه المفعول محذوف ; أي شيئا من سيئاتكم ، والسيئة فعلية ، وعينها واو ; لأنها من ساء يسوء فأصلها سيوئة ، ثم عمل فيها ما ذكرنا في : صيب .

قال تعالى : ( للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم ( 237 ) ) .

قوله تعالى : ( للفقراء ) : في موضع رفع خبر ابتداء محذوف ، تقديره : الصدقات المذكورة للفقراء ، وقيل التقدير : أعطوا للفقراء . ( في سبيل الله ) : " في " متعلقة بأحصروا على أنها ظرف له .

ويجوز أن تكون حالا ; أي أحصروا مجاهدين .

( لا يستطيعون ) : في موضع الحال ، والعامل فيه أحصروا ; أي أحصروا عاجزين .

ويجوز أن يكون مستأنفا . ( يحسبهم ) : حال أيضا ، ويجوز أن يكون مستأنفا لا موضع له .

[ ص: 181 ] وفيه لغتان : كسر السين وفتحها ، وقد قرئ بهما .

و ( الجاهل ) : جنس ، فلذلك لم يجمع ، ولا يراد به واحد .

( من التعفف ) : يجوز أن يتعلق " من " بيحسب ; أي يحسبهم من أجل التعفف ، ولا يجوز أن يتعلق بمعنى أغنياء ; لأن المعنى يصير إلى ضد المقصود ، وذلك أن معنى الآية أن حالهم يخفى على الجاهل بهم ، فيظنهم أغنياء ، ولو علقت : من بأغنياء صار المعنى أن الجاهل يظن أنهم أغنياء ، ولكن بالتعفف والغني بالتعفف فقير من المال .

( تعرفهم ) : يجوز أن يكون حالا ، وأن يكون مستأنفا ، و ( لا يسألون ) : مثله .

و ( إلحافا ) : مفعول من أجله ، ويجوز أن يكون مصدرا لفعل محذوف دل عليه يسألون ، فكأنه قال : لا يلحفون .

ويجوز أن يكون مصدرا في موضع الحال تقديره : ولا يسألون ملحفين .

التالي السابق


الخدمات العلمية