الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 311 ] قال تعالى : ( إن الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقا ) ( 168 ) .

قوله تعالى : ( لم يكن الله ليغفر لهم ) : قد ذكر مثله في قوله : ( وما كان الله ليضيع ) [ البقرة : 143 ] و ( ما كان الله ليذر ) [ آل عمران : 179 ] .

قال تعالى : ( إلا طريق جهنم خالدين فيها أبدا وكان ذلك على الله يسيرا ) ( 169 ) .

قوله تعالى : ( إلا طريق جهنم ) : استثناء من جنس الأول ؛ لأن الأول في معنى العموم ؛ كان في سياق النفي ، و ( خالدين ) : حال مقدرة .

قال تعالى : ( يا أيها الناس قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم فآمنوا خيرا لكم وإن تكفروا فإن لله ما في السماوات والأرض وكان الله عليما حكيما ) ( 170 ) .

قوله تعالى : ( قد جاءكم الرسول بالحق ) : بالحق في موضع الحال ؛ أي : ومعه الحق ، أو متكلما بالحق ، ويجوز أن يكون متعلقا بجاء ؛ أي : جاء بسبب إقامة الحق . و ( من ) : حال من الحال . ويجوز أن تكون متعلقة بجاء ؛ أي : جاء الرسول من عند الله . ( فآمنوا خيرا ) تقديره : عند الخليل وسيبويه ، وأتوا خيرا فهو مفعول به ؛ لأنه لما أمرهم بالإيمان فهو يريد إخراجهم من أمر ، وإدخالهم فيما هو خير منه . وقيل التقدير : إيمانا خيرا ، فهو نعت لمصدر محذوف . وقيل : هو خبر كان المحذوف ؛ أي : يكن الإيمان خيرا ، وهو غير جائز عند البصريين ؛ لأن كان لا تحذف هي واسمها ، ويبقى خبرها إلا فيما لا بد منه ، ويزيد ذلك ضعفا أن يكون المقدر جواب شرط محذوف ، فيصير المحذوف الشرط وجوابه . وقيل : هو حال . ومثله ( انتهوا خيرا ) [ النساء : 71 ] في جميع وجوهه .

قال تعالى : ( يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه فآمنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيرا لكم إنما الله إله واحد سبحانه أن يكون له ولد له ما في السماوات وما في الأرض وكفى بالله وكيلا ( 171 ) لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم إليه جميعا ) ( 172 ) .

قوله تعالى : ( ولا تقولوا على الله إلا الحق ) : الحق مفعول تقولوا ؛ أي : ولا تقولوا إلا القول الحق ؛ لأنه بمعنى تذكروا ، ولا تعتقدوا . والقول هنا هو الذي تعبر عنه الجملة في قولك : قلت زيد منطلق . ويجوز أن يكون صفة لمصدر محذوف . و ( المسيح ) : مبتدأ ، و ( عيسى ) : بدل أو عطف بيان ، و ( رسول الله ) : خبره . ( وكلمته ) : عطف على رسول . و ( ألقاها ) : في موضع الحال ، وقد معه مقدرة ، وفي العامل في الحال ثلاثة أوجه : أحدها : معنى كلمته ؛ لأن معنى وصف عيسى بالكلمة المكون بالكلمة من غير أب ، فكأنه قال : ومنشؤه ومبتدعه . والثاني : أن يكون التقدير : إذ كان ألقاها فإذا ظرف للكلمة ، [ ص: 312 ] وكان تامة ، وألقاها حال من فاعل كان ، وهو مثل قولهم : ضربي زيدا قائما . والثالث : أن يكون حالا من الهاء المجرور ، والعامل فيها معنى الإضافة تقديره : وكلمة الله ملقيا إياها .

( وروح منه ) : معطوف على الخبر أيضا ، و ( ثلاثة ) : خبر مبتدأ محذوف ؛ أي : إلهنا ثلاثة أو الإله ثلاثة . ( إنما الله ) : مبتدأ ، و ( إله ) : خبره ، و ( واحد ) : توكيد . ( أن يكون ) : ؛ أي : من أن يكون ، أو عن أن يكون ، وقد مر نظائره ، ومثله ( لن يستنكف المسيح أن يكون ) .

( ولا الملائكة ) : معطوف على المسيح ، وفي الكلام حذف ؛ أي : أن يكونوا عبيدا .

قوله تعالى : ( برهان من ربكم ) : إن شئت جعلت " من ربكم " نعتا لبرهان أو متعلقا بجاء .

قال تعالى : ( فأما الذين آمنوا بالله واعتصموا به فسيدخلهم في رحمة منه وفضل ويهديهم إليه صراطا مستقيما ) ( 175 ) .

قوله تعالى : ( صراطا مستقيما ) : هو مفعول ثان لـ " يهدي " ، وقيل : هو مفعول لـ " يهدي " على المعنى ؛ لأن المعنى يعرفهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية