الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال تعالى : ( إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين ( 131 ) ) .

قوله تعالى : إذ قال له إذ ظرف " لاصطفيناه " ، ويجوز أن يكون بدلا من قوله في الدنيا ، ويجوز أن يكون التقدير : اذكر إذ قال : ( لرب العالمين ) : مقتضى هذا اللفظ أن يقول أسلمت لك لتقدم ذكر الرب إلا أنه أوقع المظهر موقع المضمر تعظيما لأن فيه ما ليس في اللفظ الأول يتضمن أنه ربه وفي اللفظ الثاني اعترافه بأنه رب الجميع .

قال تعالى : ( ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون ( 132 ) ) .

قوله تعالى : ( ووصى بها ) : يقرأ بالتشديد [ من غير ألف ] ، وأوصى بالألف ; وهما بمعنى واحد ، والضمير في بها يعود إلى الملة .

[ ص: 100 ] ( ويعقوب ) : معطوف على إبراهيم ، ومفعوله محذوف تقديره : وأوصى يعقوب بنيه ; لأن يعقوب أوصى بنيه أيضا كما أوصى إبراهيم بنيه ودليل ذلك قوله : إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي ، والتقدير : قال : يا بني ، فيجوز أن يكون إبراهيم قال : يا بني .

ويجوز أن يكون يعقوب . والألف في : ( اصطفى ) : بدل من ياء بدل من واو ، وأصله من الصفوة ، والواو إذا وقعت رابعا فصاعدا قلبت ياء ، ولهذا تمال الألف في مثل ذلك .

( فلا تموتن ) : النهي في اللفظ عن الموت ، وهو في المعنى على غير ذلك ، والتقدير : لا تفارقوا الإسلام حتى تموتوا : وأنتم مسلمون في موضع الحال والعامل الفعل قبل إلا .

قال تعالى : ( أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون ( 133 ) ) .

قوله تعالى : ( أم كنتم ) : هي المنقطعة . أي : بل أكنتم شهداء ؟ على جهة التوبيخ .

( إذ حضر ) : يقرأ بتحقيق الهمزتين على الأصل ، وتليين الثانية ، وجعلها بين بين ، ومنهم من يخلصها ياء ; لانكسارها ، والجمهور على نصب : ( يعقوب ) ورفع : ( الموت ) . وقرئ بالعكس ، والمعنيان متقاربان . و ( إذ ) : الثانية بدل من الأولى ، والعامل في الأول شهداء ، فيكون عاملا في الثانية ; ويجوز أن تكون الثانية ظرفا لحضر ، فلا يكون على هذا بدلا .

و ( ما ) : استفهام في موضع نصب : بـ ( تعبدون ) و : ما هنا بمعنى من ، ولهذا جاء في الجواب : إلهك ، ويجوز أن تكون " ما " على بابها ، ويكون ذلك امتحانا لهم من يعقوب .

و ( من بعدي ) : أي من بعد موتي ; فحذف المضاف .

[ ص: 101 ] ( وإله آبائك ) : أعاد ذكر الإله ; لئلا يعطف على الضمير المجرور من غير إعادة الجار . والجمهور على أن ( آبائك ) على جمع التكسير . و ( إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ) : بدل منهم ويقرأ : وإله أبيك ; وفيه وجهان : أحدهما : هو جمع تصحيح حذفت منه النون للإضافة ; وقد قالوا : أب وأبون وأبين ، فعلى هذه القراءة تكون الأسماء بعدها بدلا أيضا . والوجه الثاني : أن يكون مفردا ، وفيه على هذا وجهان : أحدهما : أن يكون مفردا في اللفظ مرادا به الجمع .

والثاني : أن يكون مفردا في اللفظ والمعنى ; فعلى هذا يكون إبراهيم بدلا منه ، وإسماعيل وإسحاق عطفا على أبيك ، تقديره : وإله إسماعيل وإسحاق .

( إلها واحدا ) : بدل من إله الأولى . ويجوز أن يكون حالا موطئة كقولك : رأيت زيدا رجلا صالحا ، وإسماعيل يجمع على سماعلة ، ومساعيل ، وأساميع .

قال تعالى : ( تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون ( 134 ) ) .

قوله تعالى : ( تلك أمة ) : الاسم منها : " تي " وهي من أسماء الإشارة للمؤنث ، والياء من جملة الاسم ، وقال الكوفيون : التاء وحدها الاسم ، والياء زائدة ، وحذفت الياء مع اللام لسكونها وسكون اللام بعدها .

فإن قيل : لم لم تكسر اللام وتقرأ الياء كما فعل في ذلك ؟ .

قيل : ذلك يؤدي إلى الثقل لوقوع الياء بين كسرتين ، وموضعها رفع بالابتداء ، وأمة خبرها . و ( قد خلت ) : صفة لأمة . و ( لها ما كسبت ) : في موضع الصفة أيضا ، ويجوز أن يكون حالا من الضمير في خلت ، ويجوز أن يكون مستأنفا . ( ولا تسألون ) : مستأنف لا غير وفي الكلام حذف تقديره : ولا تسألون عما كنتم تعملون ، ودل على المحذوف قوله : ( لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية