الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 418 ] قال تعالى : ( فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوآتهما وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين ) ( 20 ) .

قوله تعالى : ( من سوآتهما ) : الجمهور على تحقيق الهمزة . ويقرأ بواو مفتوحة ، وحذف الهمزة ، ووجهه أنه ألقى حركة الهمزة على الواو ، ويقرأ بتشديد الواو من غير همز ، وذلك على إبدال الهمزة واوا . ويقرأ " سوأتهما " على التوحيد ، وهو جنس . ( إلا أن تكونا ) : أي إلا مخافة أن تكونا ، فهو مفعول من أجله . ( ملكين ) : بفتح اللام وكسرها ، والمعنى مفهوم .

قال تعالى : ( وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين ) ( 21 ) .

قوله تعالى : ( لكما لمن الناصحين ) : هو مثل قوله : ( وإنه في الآخرة لمن الصالحين ) [ البقرة : 130 ] . وقد ذكر في البقرة .

قال تعالى : ( فدلاهما بغرور فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين ) ( 22 ) .

قوله تعالى : ( فدلاهما بغرور ) : الألف بدل من ياء مبدلة من لام ، والأصل دللهما من الدلالة ، لا من الدلال ، وجاز إبدال اللام لما صار في الكلمة ثلاث لامات .

( بغرور ) : يجوز أن تتعلق الباء بهذا الفعل ، ويجوز أن تكون في موضع الحال من الضمير المنصوب ؛ أي : وهما مغتران .

قوله تعالى : ( وطفقا ) : في حكم كاد ، ومعناها الأخذ في الفعل .

و ( يخصفان ) : ماضيه خصف ، وهو متعد إلى مفعول واحد ، والتقدير : شيئا " من ورق الجنة " .

وقرئ بضم الياء ، وكسر الصاد مخففا ، وماضيه أخصف ، وبالهمزة يتعدى إلى اثنين ، والتقدير : يخصفان أنفسهما .

ويقرأ بفتح الياء ، وتشديد الصاد ، وكسرها مع فتح الخاء وكسرها مع فتح الياء وكسرها ، وقد ذكر تعليل ذلك في قوله : ( يخطف أبصارهم ) [ البقرة : 20 ] .

[ ص: 419 ] ( عن تلكما ) : وقد ذكرنا أصل " تلك " . والإشارة إلى الشجرة ، وهي واحدة ، والمخاطب اثنان ، فلذلك ثنى حرف الخطاب .

قال تعالى : ( قال فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون ) ( 25 ) .

قوله تعالى : ( ومنها تخرجون ) : الواو في الأصل تعطف هذه الأفعال بعضها على بعض ، ولكن فصل بينهما بالظرف ؛ لأنه عطف جملة على جملة .

وتخرجون بضم التاء وفتحها ، والمعنى فيها مفهوم .

قال تعالى : ( يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير ذلك من آيات الله لعلهم يذكرون ) ( 26 ) .

قوله تعالى : ( وريشا ) : هو جمع ريشة ، ويقرأ رياشا ، وفيه وجهان : أحدهما : هو جمع ، واحده ريش ، مثل ريح ورياح . والثاني : أنه اسم للجمع مثل اللباس . ( ولباس التقوى ) : يقرأ بالنصب عطفا على ريشا ، فإن قيل : كيف ينزل اللباس والريش ، قيل : لما كان الريش واللباس ينبتان بالمطر ، والمطر ينزل ، جعل ما هو المسبب بمنزلة السبب ، ويقرأ بالرفع على الابتداء . و ( ذلك ) : مبتدأ ، و ( خير ) : خبره ، والجملة خبر لباس ، ويجوز أن يكون ذلك نعتا للباس ؛ أي : المذكور والمشار إليه ، وأن يكون بدلا منه ، أو عطف بيان ، وخير الخبر . وقيل : لباس التقوى خبر مبتدأ محذوف تقديره : وساتر عوراتكم لباس التقوى ، أو على العكس ؛ أي : ولباس التقوى ساتر عوراتكم ، وفي الكلام حذف [ ص: 420 ] مضاف ؛ أي : ولباس أهل التقوى ، وقيل المعنى : ولباس الاتقاء الذي يتقى به النظر ، فلا حذف إذا .

قال تعالى : ( يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون ) ( 27 ) .

قوله تعالى : ( لا يفتننكم ) : النهي في اللفظ للشيطان ، والمعنى لا تتبعوا الشيطان فيفتنكم . ( كما أخرج ) : أي فتنة كفتنة أبويكم بالإخراج . ( ينزع عنهما ) : الجملة في موضع الحال إن شئت من ضمير الفاعل في أخرج ، وإن شئت من الأبوين ؛ لأن فيه ضميرين لهما ، وينزع حكاية أمر قد وقع ؛ لأن نزع اللباس عنهما كان قبل الإخراج . فإن قيل : الشيطان لم ينزع عنهما اللباس ، قيل : لكنه تسبب فنسب الإخراج والنزع إليه . ( هو وقبيله ) : هو توكيد لضمير الفاعل ليحسن العطف عليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية