الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال تعالى : ( والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف والله بما تعملون خبير ( 234 ) ) .

قوله تعالى : ( والذين يتوفون منكم ) : في هذه الآية أقوال : أحدها : أن الذين مبتدأ ; والخبر محذوف تقديره : وفيما يتلى عليكم حكم الذين يتوفون منكم ; ومثله : ( والسارق والسارقة ) [ المائدة : 38 ] و ( الزانية والزاني ) [ النور : 2 ] وقوله : ( يتربصن ) بيان الحكم المتلو . وهذا قول سيبويه .

والثاني : أن المبتدأ محذوف ، والذين قام مقامه ; تقديره : وأزواج الذين يتوفون منكم ، والخبر ( يتربصن ) ، ودل على المحذوف قوله : ( ويذرون أزواجا ) .

والثالث : أن الذين مبتدأ ، و ( يتربصن ) : الخبر ، والعائد محذوف تقديره : يتربصن بعدهم ، أو بعد موتهم . والرابع : أن الذين مبتدأ ، وتقدير الخبر أزواجهم يتربصن ، فأزواجهم مبتدأ ، ويتربصن الخبر ، فحذف المبتدأ لدلالة الكلام عليه .

والخامس : أنه ترك الإخبار عن ( الذين ) ، وأخبر عن الزوجات المتصل ذكرهن بالذين ; لأن الحديث معهن في الاعتداد بالأشهر ، فجاء الإخبار عما هو المقصود ; وهذا قول الفراء . والجمهور على ضم الياء في ( يتوفون ) على ما لم يسم فاعله .

ويقرأ بفتح الياء على تسمية الفاعل ; والمعنى : يستوفون آجالهم .

و ( منكم ) : في موضع الحال من الفاعل المضمر .

( وعشرا ) : أي عشر ليال ; لأن التاريخ يكون بالليلة إذا كانت هي أول الشهر واليوم تبع لها . ( بالمعروف ) : حال من الضمير المؤنث في الفعل ، أو مفعول به ، أو نعت لمصدر محذوف . وقد تقدم مثله .

قال تعالى : ( ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم علم الله أنكم ستذكرونهن ولكن لا تواعدوهن سرا إلا أن تقولوا قولا معروفا ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه واعلموا أن الله غفور حليم ( 235 ) ) .

[ ص: 152 ] قوله تعالى : ( من خطبة النساء ) : الجار والمجرور في موضع الحال من الهاء المجرورة ; فيكون العامل فيه عرضتم .

ويجوز أن يكون حالا من " ما " ، فيكون العامل فيه الاستقرار .

والخطبة بالكسر : خطاب المرأة في التزويج ; وهي مصدر مضاف إلى المفعول ; والتقدير : من خطبتكم النساء . و ( أو ) : للإجابة ، والمفعول محذوف تقديره : أو أكننتموه ، يقال أكننت الشيء في نفسي ، إذا كتمته ، وكننته ، إذا سترته بثوب أو نحوه .

( ولكن ) : هذا الاستدراك من قوله : ( فيما عرضتم به ) .

و ( سرا ) : مفعول به ; لأنه بمعنى النكاح ; أي لا تواعدوهن نكاحا .

وقيل : هو مصدر في موضع الحال ; تقديره : مستخفين بذلك ; والمفعول محذوف تقديره : لا تواعدوهن النكاح سرا ، ويجوز أن يكون صفة لمصدر محذوف ; أي مواعدة سرا .

وقيل التقدير : في سر فيكون ظرفا . ( إلا أن تقولوا ) : في موضع نصب على الاستثناء من المفعول ، وهو منقطع ، وقيل : متصل . ( ولا تعزموا عقدة ) : أي على عقدة النكاح .

وقيل : ( تعزموا ) : بمعنى تنووا ; وهذا يتعدى بنفسه ، فيعمل عمله . وقيل : تعزموا بمعنى تعقدوا فتكون عقدة النكاح مصدرا ; والعقدة بمعنى العقد ، فيكون المصدر مضافا إلى المفعول .

قال تعالى : ( لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف حقا على المحسنين ( 236 ) ) .

قوله تعالى : ( ما لم تمسوهن ) : ( ما ) مصدرية ، والزمان معها محذوف ، تقديره : في زمن ترك مسهن .

وقيل : ما شرطية ; أي إن لم تمسوهن . ويقرأ : ( تمسوهن ) بفتح التاء من غير ألف ، على أن الفعل للرجال .

ويقرأ : " تماسوهن " بضم التاء والألف بعد الميم ، وهو من باب المفاعلة ; فيجوز [ ص: 153 ] أن يكون في معنى القراءة الأولى ، يجوز أن يكون على نسبة الفعل إلى الرجال والنساء كالمجامعة والمباشرة ; لأن الفعل من الرجل ، والتمكين من المرأة ، والاستدعاء منها أيضا ، ومن هنا سميت زانية . ( فريضة ) : يجوز أن تكون مصدرا ، وأن تكون مفعولا به ، وهو الجيد ، وفعيلة هنا بمعنى مفعولة ، والموصوف محذوف تقديره : متعة مفروضة . ( ومتعوهن ) : معطوف على فعل محذوف ; تقديره : فطلقوهن ومتعوهن . ( على الموسع قدره ) : الجمهور على الرفع ، والجملة في موضع الحال من الفاعل تقديره : بقدر الوسع . وفي الجملة محذوف تقديره : على الموسع منكم . ويجوز أن تكون الجملة مستأنفة لا موضع لها .

ويقرأ : ( قدره ) بالنصب ، وهو مفعول على المعنى ; لأن معنى متعوهن ; أي ليؤد كل منكم قدر وسعه ، وأجود من هذا أن يكون التقدير : فأوجبوا على الموسع قدره ، والقدر والقدر لغتان ، وقد قرئ بهما . وقيل : القدر بالتسكين الطاقة ، وبالتحريك المقدار .

( متاعا ) : اسم للمصدر ، والمصدر التمتيع ، واسم المصدر يجري مجراه .

( حقا ) : مصدر حق ذلك حقا . و ( على ) : متعلقة بالناصب للمصدر .

التالي السابق


الخدمات العلمية