الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 127 ] قال تعالى : ( أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد تلك حدود الله فلا تقربوها كذلك يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون ( 187 ) ) .

قوله تعالى : ( أحل لكم ليلة الصيام ) : ليلة ظرف لأحل ، ولا يجوز أن تكون ظرفا للرفث من جهة الإعراب ; لأنه مصدر ، والمصدر لا يتقدم عليه معموله .

ويجوز أن تكون الليلة ظرفا للرفث على التبيين ، والتقدير : أحل لكم أن ترفثوا ليلة الصيام فحذف وجعل المذكور مبينا له والمستعمل الشائع رفث بالمرأة بالباء ، وإنما جاء هنا بإلى ; لأن معنى الرفث الإفضاء ، وكأنه قال الإفضاء .

( إلى نسائكم ) : والهمزة في نساء مبدلة من واو ; لقولك في معناه نسوة ، وهو جمع لا واحد له من لفظه بل واحدته امرأة وأما نساء فجمع نسوة ، وقيل : لا واحد له .

( كنتم تختانون ) : كنتم هنا لفظها لفظ الماضي ، ومعناها على المضي أيضا ، والمعنى أن الاختيان كان يقع منهم فتاب عليهم منه .

وقيل : إنه أراد الاختيان في المستقبل وذكر كان ليحكي بها الحال كما تقول إن فعلت كنت ظالما وألف تختانون مبدلة من واو ; لأنه من خان يخون ، وتقول في الجمع خونة .

( فالآن ) : حقيقة الآن الوقت الذي أنت فيه ، وقد يقع على الماضي القريب منك ، وعلى المستقبل القريب وقوعه ، تنزيلا للقريب منزلة الحاضر ، وهو المراد هنا ; لأن قوله : " فالآن باشروهن " ; أي فالوقت الذي كان يحرم عليكم الجماع فيه من الليل قد أبحناه لكم فيه فعلى هذا الآن ظرف لـ " باشروهن " .

وقيل : الكلام محمول على المعنى ، والتقدير : فالآن قد أبحنا لكم أن تباشروهن ، ودل على المحذوف لفظ الأمر الذي يراد به الإباحة ، فعلى هذا الآن على حقيقته .

( حتى يتبين ) : يقال تبين الشيء وبان ، وأبان ، واستبان ، كله لازم ، وقد يستعمل أبان واستبان وتبين متعدية ، وحتى بمعنى إلى . و ( من الخيط الأسود ) : في موضع نصب لأن المعنى حتى يباين الخيط الأبيض الخيط الأسود ، كما تقول بانت اليد من زندها ; أي فارقته .

[ ص: 128 ] وأما : ( من الفجر ) : فيجوز أن يكون حالا من الضمير في الأبيض . ويجوز أن يكون تمييزا ، والفجر في الأصل مصدر فجر يفجر إذا شق .

( إلى الليل ) : إلى هاهنا لانتهاء غاية الإتمام . ويجوز أن يكون حالا من الصيام ليتعلق بمحذوف .

( وأنتم عاكفون ) : مبتدأ وخبر في موضع الحال ، والمعنى لا تباشروهن وقد نويتم الاعتكاف في المسجد ، وليس المراد النهي عن مباشرتهن في المسجد ; لأن ذلك ممنوع منه في غير الاعتكاف . ( تلك حدود الله فلا تقربوها ) : دخول الفاء هنا عاطفة على شيء محذوف تقديره : تنبهوا فلا تقربوها .

( كذلك ) : في موضع نصب صفة لمصدر محذوف ; أي بيانا مثل هذا البيان يبين .

التالي السابق


الخدمات العلمية