الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال تعالى : ( والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون ( 135 ) ) .

قوله تعالى : ( والذين إذا فعلوا ) : يجوز أن يكون معطوفا على الذين ينفقون في أوجهه الثلاثة . ويجوز أن يكون مبتدأ ويكون أولئك مبتدأ ثانيا ، وجزاؤهم ثالثا ، ومغفرة خبر الثالث ، والجميع خبر الذين . و ( ذكروا ) : جواب إذا . ( ومن ) : مبتدأ ، و ( يغفر ) : خبره . ( إلا الله ) : فاعل يغفر ، أو بدل من المضمر فيه ، وهو الوجه ، لأنك إذا جعلت الله فاعلا احتجت إلى تقدير ضمير ; أي ومن يغفر الذنوب له غير الله . ( وهم يعلمون ) : في موضع الحال من الضمير في يصروا ، أو من الضمير في استغفروا ، ومفعول يعلمون محذوف ; أي يعلمون المؤاخذة بها ، أو عفو الله عنها .

قال تعالى : ( أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين ( 136 ) ) .

قوله تعالى : ( ونعم أجر ) : المخصوص بالمدح محذوف ; أي ونعم الأجر الجنة .

قال تعالى : ( قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين ( 137 ) ) .

قوله تعالى : ( من قبلكم سنن ) : يجوز أن يتعلق بخلت ، وأن يكون حالا من سنن ، ودخلت الفاء في " سيروا " ; لأن المعنى على الشرط ; أي إن شككتم فسيروا . ( كيف ) : خبر " كان " و " عاقبة " اسمها .

قال تعالى : ( ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين ( 139 ) ) .

قوله تعالى : ( ولا تهنوا ) : الماضي وهن ، وحذفت الواو في المضارع لوقوعها بين ياء وكسرة ، و ( الأعلون ) : واحدها أعلى ، حذفت منه الألف لالتقاء الساكنين ، وبقيت الفتحة تدل عليها .

[ ص: 234 ] قال تعالى : ( إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين ( 140 ) وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين ( 141 ) ) .

قوله تعالى : ( قرح ) : يقرأ بفتح القاف وسكون الراء ، وهو مصدر قرحته إذا جرحته ، ويقرأ بضم القاف وسكون الراء ، وهو بمعنى الجرح أيضا ، وقال الفراء : بالضم : ألم الجراح . ويقرأ بضمهما على الإتباع كاليسر واليسر ، والطنب والطنب ، ويقرأ بفتحها ، وهو مصدر قرح يقرح إذا صار له قرحة ، وهو بمعنى دمي . ( وتلك ) : مبتدأ ، و ( الأيام ) : خبره ، و ( نداولها ) : جملة في موضع الحال ، والعامل فيها معنى الإشارة ، ويجوز أن تكون الأيام بدلا ، أو عطف بيان ، ونداولها الخبر ، ويقرأ يداولها بالياء ، والمعنى مفهوم . و ( بين الناس ) : ظرف . ويجوز أن يكون حالا من الهاء . ( وليعلم ) : اللام متعلقة بمحذوف ; تقديره : وليعلم الله دوالها . وقيل : التقدير : ليتعظوا وليعلم الله . وقيل : الواو زائدة . و ( منكم ) : يجوز أن يتعلق بيتخذ ، ويجوز أن يكون حالا من " شهداء " ( وليمحص ) : معطوف على " وليعلم " .

قال تعالى : ( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين ( 142 ) ) .

قوله تعالى : ( أم حسبتم ) : أم هنا منقطعة ; أي بل أحسبتم و ( أن تدخلوا ) : أن والفعل يسد مسد المفعولين ، وقال الأخفش المفعول الثاني محذوف . ( ويعلم الصابرين ) : يقرأ بكسر الميم عطفا على الأولى ، وبضمها على تقدير : وهو يعلم ، والأكثر في القراءة الفتح ، وفيه وجهان : أحدهما : أنه مجزوم أيضا ، لكن الميم لما حركت لالتقاء الساكنين حركت بالفتح إتباعا للفتحة قبلها . والوجه الثاني : أنه منصوب على إضمار أن ، والواو هاهنا بمعنى الجمع ، كالتي في قولهم لا تأكل السمك وتشرب اللبن . والتقدير : أظننتم أن تدخلوا الجنة قبل أن يعلم الله المجاهدين ، وأن يعلم الصابرين ، ويقرب عليك هذا المعنى أنك لو قدرت الواو بمع صح المعنى والإعراب .

قال تعالى : ( ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون ( 143 ) ) .

قوله تعالى : ( من قبل أن تلقوه ) : الجمهور على الجر بمن وإضافته إلى الجملة .

[ ص: 235 ] وقرئ بضم اللام ; والتقدير : ولقد كنتم تمنون الموت أن تلقوه من قبل ، فأن تلقوه بدل من الموت بدل الاشتمال ، والمراد لقاء أسباب الموت ; لأنه قال : " فقد رأيتموه وأنتم تنظرون " وإذا رأى الموت لم تبق بعده حياة ، ويقرأ : " تلاقوه " وهو من المفاعلة التي تكون بين اثنين ; لأن ما لقيك فقد لقيته ويجوز أن تكون من واحد مثل سافرت .

التالي السابق


الخدمات العلمية