الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال تعالى : ( ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون ( 88 ) أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين ) ( 89 ) .

قوله تعالى : ( ذلك ) : مبتدأ ، و ( هدى الله ) : خبره . و ( يهدي به ) : حال من الهدى ، والعامل فيه الإشارة .

ويجوز أن يكون حالا من اسم الله تعالى ، ويجوز أن يكون هدى الله بدلا من ذلك ، و " يهدي به " الخبر .

و ( من عباده ) : حال من " من " أو من العائد المحذوف .

والباء في " بها " الأخيرة تتعلق بـ " كافرين " والباء في بكافرين زائدة ؛ أي : ليسوا كافرين بها .

قال تعالى : ( أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده قل لا أسألكم عليه أجرا إن هو إلا ذكرى للعالمين ) ( 90 ) .

قوله تعالى : ( اقتده ) : يقرأ بسكون الهاء وإثباتها في الوقف دون الوصل ، وهي على هذا هاء السكت ، ومنهم من يثبتها في الوصل أيضا ، لشبهها بهاء الإضمار .

[ ص: 386 ] ومنهم من يكسرها ، وفيه وجهان : أحدهما : هي هاء السكت أيضا شبهت بهاء الضمير ، وليس بشيء .

والثاني : هي هاء الضمير والمضمر المصدر ؛ أي : اقتد الاقتداء ومثله : هذا سراقة للقرآن يدرسه والمرء عند الرشا إن يلقها ذيب .

فالهاء ضمير الدرس لا مفعول ؛ لأن يدرس قد تعدى إلى القرآن .

وقيل : من سكن الهاء جعلها هاء الضمير ، وأجرى الوصل مجرى الوقف ، والهاء في ( عليه ) ضمير القرآن والتبليغ .

قال تعالى : ( وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون ) ( 91 ) .

قوله تعالى : ( حق قدره ) : حق منصوب نصب المصدر ، وهو في الأصل وصف ؛ أي : قدره الحق ، ووصف المصدر إذا أضيف إليه ينتصب نصب المصدر .

ويقرأ ( قدره ) : بسكون الدال وفتحها . و ( إذ ) : ظرف لقدروا . و ( من شيء ) : مفعول أنزل ، ومن زائدة .

( نورا ) : حال من الهاء في " به " أو من الكتاب ، وبه يجوز أن تكون مفعولا به ، وأن تكون حالا . و ( تجعلونه ) : مستأنف لا موضع له . و ( قراطيس ) : أي : في قراطيس ، وقيل : ذا قراطيس .

وقيل : ليس فيه تقدير محذوف ، والمعنى أنزلوه منزلة القراطيس التي لا شيء فيها في ترك العمل به .

[ ص: 387 ] و ( تبدونها ) : وصف للقراطيس . " وتخفون " كذلك ، والتقدير : وتخفون كثيرا منها .

ويقرأ في المواضع الثلاثة بالياء على الغيبة حملا على ما قبلها في أول الآية ، وبالتاء على الخطاب ، وهو مناسب لقوله : " وعلمتم " ؛ أي : وقد علمتم . والجملة في موضع الحال من ضمير الفاعل في تجعلونه على قراءة التاء .

وعلى قراءة الياء يجوز أن يكون وعلمتم مستأنفا ، وأن يكون رجع مع الغيبة إلى الخطاب . و ( قل الله ) : جواب " قل من أنزل الكتاب " وارتفاعه بفعل محذوف ؛ أي : أنزله الله .

ويجوز أن يكون التقدير : هو الله ، أو المنزل الله ، أو الله أنزله .

( في خوضهم ) : يجوز أن يتعلق بذرهم على أنه ظرف له ، وأن يكون حالا من ضمير المفعول ؛ أي : ذرهم خائضين ، وأن يكون متعلقا بـ " يلعبون " .

( ويلعبون ) : في موضع الحال ، وصاحب الحال ضمير المفعول في ذرهم ، إذا لم يجعل في خوضهم حالا منه ، وإن جعلته حالا منه كان الحال الثانية من ضمير الاستقرار في الحال الأولى .

ويجوز أن يكون حالا من الضمير المجرور في خوضهم ، ويكون العامل المصدر ، والمجرور فاعل في المعنى .

التالي السابق


الخدمات العلمية