الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال تعالى : ( وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون ) ( 47 ) .

قوله تعالى : ( وليحكم ) : يقرأ بسكون اللام والميم على الأمر .

ويقرأ بكسر اللام وفتح الميم على أنها لام كي ؛ أي : وقفينا ليؤمنوا وليحكم .

قال تعالى : ( وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم في ما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون ) ( 48 ) .

قوله تعالى : ( بالحق ) : حال من الكتاب . ( مصدقا ) : حال من الضمير في قوله : بالحق ، ولا يكون حالا من الكتاب ، إذ لا يكون حالان لعامل واحد .

( ومهيمنا ) : حال أيضا . و " من الكتاب " حال من " ما " ، أو من الضمير في الظرف ، و " الكتاب " الثاني جنس . وأصل مهيمن مؤيمن ؛ لأنه مشتق من الأمانة ؛ لأن المهيمن [ ص: 331 ] الشاهد ، وليس في الكلام همن حتى تكون الهاء أصلا . ( عما جاءك ) : في موضع الحال ؛ أي : عادلا عما جاءك . و ( من الحق ) : حال من الضمير في " جاءك " أو من " ما " . ( لكل جعلنا منكم ) : لا يجوز أن يكون منكم صفة لكل ؛ لأن ذلك يوجب الفصل بين الصفة والموصوف بالأجنبي الذي لا تشديد فيه للكلام ، ويوجب أيضا أن يفصل بين جعلنا وبين معمولها ، وهو " شرعة " ؛ وإنما يتعلق بمحذوف تقديره : أعني .

و " جعلنا " هاهنا إن شئت جعلتها المتعدية إلى مفعول واحد ، وإن شئت جعلتها بمعنى صيرنا . ( ولكن ليبلوكم ) : اللام تتعلق بمحذوف تقديره : ولكن فرقكم ليبلوكم . ( مرجعكم جميعا ) : حال من الضمير المجرور ، وفي العامل وجهان : أحدهما : المصدر المضاف لأنه في تقدير إليه ترجعون جميعا ، والضمير المجرور فاعل في المعنى ، أو قائم مقام الفاعل . والثاني : أن يعمل فيه الاستقرار الذي ارتفع به " مرجعكم " ، أو الضمير الذي في الجار .

قال تعالى : ( وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون ) ( 49 ) .

قوله تعالى : ( وأن احكم بينهم ) : في " أن " وجهان : أحدهما : هي مصدرية ، والأمر صلة لها ، وفي موضعها ثلاثة أوجه : أحدها : نصب عطفا على الكتاب في قوله : " وأنزلنا إليك الكتاب " ؛ أي : وأنزلنا إليك الحكم . والثاني : جر عطفا على " الحق " ؛ أي : أنزلنا إليك الكتاب بالحق وبالحكم ، ويجوز على هذا الوجه أن يكون نصبا لما حذف الجار . والثالث : أن يكون في موضع رفع تقديره : وأن احكم بينهم بما نزل الله أمرنا أو قولنا .

وقيل : أن بمعنى ؛ أي : وهو بعيد ؛ لأن الواو تمنع من ذلك ، والمعنى يفسد ذلك ؛ لأن " أن " التفسيرية ينبغي أن يسبقها قول يفسر بها ، ويمكن تصحيح هذا القول على أن يكون التقدير : وأمرناك ؛ ثم فسر هذا الأمر باحكم .

( أن يفتنوك ) : فيه وجهان : أحدهما : هو بدل من ضمير المفعول بدل الاشتمال ؛ أي : احذرهم فتنتهم . والثاني : أن يكون مفعولا من أجله ؛ أي : مخافة أن يفتنوك .

قال تعالى : ( أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون ) ( 50 ) .

قوله تعالى : ( أفحكم الجاهلية ) : يقرأ بضم الحاء وسكون الكاف وفتح الميم ، والناصب [ ص: 332 ] له يبغون ، ويقرأ بفتح الجميع ، وهو أيضا منصوب بيبغون ؛ أي : احكم حكم الجاهلية ، ويقرأ تبغون بالتاء على الخطاب ؛ لأن قبله خطابا .

ويقرأ بضم الحاء وسكون الكاف وضم الميم على أنه مبتدأ ، والخبر يبغون ، والعائد محذوف ؛ أي : يبغونه ، وهو ضعيف ، وإنما جاء في الشعر ؛ إلا أنه ليس بضرورة في الشعر ، والمستشهد به على ذلك قول أبي النجم :

قد أصبحت أم الخيار تدعي علي ذنبا كله لم أصنع



فرفع كله ، ولو نصب لم يفسد الوزن .

( ومن أحسن ) : مبتدأ وخبر ، وهو استفهام في معنى النفي . و ( حكما ) : تمييز . و ( لقوم ) : هو في المعنى : عند قوم يوقنون .

وليس المعنى أن الحكم لهم ؛ وإنما المعنى أن الموقن يتدبر حكم الله ، فيحسن عنده ، ومنه ( إن في ذلك لآية للمؤمنين ) [ الحجر : 77 ] و ( لقوم يوقنون ) ، ونحو ذلك .

وقيل : هي على أصلها ، والمعنى إن حكم الله للمؤمنين على الكافرين ، وكذلك الآية لهم ؛ أي : الحجة لهم .

قال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين ) ( 51 ) .

قوله تعالى : ( بعضهم أولياء بعض ) : مبتدأ وخبر لا موضع له .

قال تعالى : ( فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين ) ( 52 ) .

قوله تعالى : ( فترى الذين ) : يجوز أن يكون من رؤية العين ، فيكون يسارعون في موضع الحال .

[ ص: 333 ] ويجوز أن يكون بمعنى تعرف ، فيكون يسارعون حالا أيضا . ويجوز أن يكون من رؤية القلب المتعدية إلى مفعولين ، فيكون يسارعون المفعول الثاني ، وقرئ في الشاذ بالياء ، والفاعل الله تعالى . و ( يقولون ) : حال من ضمير الفاعل في يسارعون . و ( دائرة ) : صفة غالبة لا يذكر معها الموصوف . ( أن يأتي ) : في موضع نصب خبر عسى . وقيل : هو في موضع رفع بدلا من اسم الله . ( فيصبحوا ) : معطوف على يأتي .

التالي السابق


الخدمات العلمية