الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال تعالى : ( وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين ) ( 75 ) .

قوله تعالى : ( وكذلك ) : في موضعه وجهان : أحدهما : هو نصب على إضمار وأريناه ، تقديره : وكما رأى أباه وقومه في ضلال مبين أريناه ذلك ؛ أي : ما رآه صوابا بإطلاعنا إياه عليه .

ويجوز أن يكون منصوبا بـ " نرى " التي بعده على أنه صفة لمصدر محذوف تقديره : نريه ملكوت السماوات والأرض رؤية كرؤيته ضلال أبيه .

وقيل : الكاف بمعنى اللام ؛ أي : ولذلك نريه .

والوجه الثاني : أن تكون الكاف في موضع رفع خبر مبتدأ محذوف ؛ أي : و الأمر كذلك ؛ أي : كما رآه من ضلالتهم .

قوله تعالى : ( وليكون ) : أي : وليكون " من الموقنين " أريناه .

وقيل : التقدير : ليستدل وليكون .

قال تعالى : ( فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلين ) ( 76 ) .

[ ص: 381 ] قوله تعالى : ( رأى كوكبا ) : يقرأ بفتح الراء والهمزة والتفخيم على الأصل وبالإمالة ؛ لأن الألف منقلبة عن ياء ؛ كقولك رأيت رؤية ، ويقرأ بجعل الهمزتين بين بين وهو نوع من الإمالة .

ويقرأ بجعل الراء كذلك ، إتباعا للهمزة ، ويقرأ بكسرهما ، وفيه وجهان : أحدهما : أنه كسر الهمزة للإمالة ، ثم أتبعها الراء .

والثاني : أن أصل الهمزة الكسر ؛ بدليل قولك في المستقبل : يرى ؛ أي : يرأى ، وإنما فتحت من أجل حرف الحلق كما تقول : وسع يسع ، ثم كسر الحرف الأول في الماضي إتباعا لكسرة الهمزة ، فإن لقي الألف ساكن مثل : رأى الشمس ، فقد قرئ بفتحهما على الأصل ، وبكسرهما على ما تقدم .

وبكسر الراء وفتح الهمزة ؛ لأن الألف سقطت من اللفظ ؛ لأجل الساكن بعدها ، والمحذوف هنا في تقدير الثابت ، وكان كسر الراء تنبيها على أن الأصل كسر الهمزة ، وأن فتحها دليل على الألف المحذوفة .

( هذا ربي ) : مبتدأ وخبر تقديره : أهذا ربي ؟ وقيل : هو على الخبر ؛ أي : هو غير استفهام .

قال تعالى : ( فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال يا قوم إني بريء مما تشركون ) ( 78 ) .

قوله تعالى : ( بازغة ) : هو حال من الشمس ، وإنما قال للشمس هذا على التذكير ؛ لأنه أراد هذا الكوكب ، أو الطالع ، أو الشخص ، أو الضوء ، أو الشيء ، أو لأن التأنيث غير حقيقي .

قال تعالى : ( إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين ) ( 79 ) .

قوله تعالى : ( للذي فطر السماوات ) : أو لعبادته أو لرضاه .

قال تعالى : ( وحاجه قومه قال أتحاجوني في الله وقد هداني ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئا وسع ربي كل شيء علما أفلا تتذكرون ) ( 80 ) .

قوله تعالى : ( أتحاجوني ) : يقرأ بتشديد النون على إدغام نون الرفع في نون الوقاية ، والأصل تحاجونني .

[ ص: 382 ] ويقرأ بالتخفيف على حذف إحدى النونين ، وفي المحذوفة وجهان : أحدهما : هي نون الوقاية ؛ لأنها الزائدة التي حصل بها الاستثقال ، وقد جاء ذلك في الشعر . والثاني : المحذوفة نون الرفع ؛ لأن الحاجة دعت إلى نون مكسورة من أجل الياء ، ونون الرفع لا تكسر ، وقد جاء ذلك في الشعر كثيرا ؛ قال الشاعر : كل له نية في بغض صاحبه بنعمة الله نقليكم وتقلونا .

أي : تقلوننا ، والنون الثانية هنا ليست وقاية ؛ بل هي من الضمير ، وحذف بعض الضمير لا يجوز ، وهو ضعيف أيضا ؛ لأن علامة الرفع لا تحذف إلا بعامل .

( ما تشركون به ) : " ما " بمعنى الذي ؛ أي : ولا أخاف الصنم الذي تشركونه به ؛ أي : بالله ، فالهاء في به ضمير اسم الله تعالى .

ويجوز أن تكون الهاء عائدة على ما ؛ أي : ولا أخاف الذي تشركون بسببه ، ولا تعود على الله .

ويجوز أن تكون " ما " نكرة موصوفة ، وأن تكون مصدرية .

( إلا أن يشاء ) : يجوز أن يكون استثناء من جنس الأول تقديره : إلا في حال مشيئة ربي ؛ أي : لا أخافها في كل حال إلا في هذه الحال .

ويجوز أن يكون من غير الأول ؛ أي : لكن أخاف أن يشاء بي خوفي ما أشركتم .

و ( شيئا ) : نائب عن المصدر ؛ أي : مشيئة ؛ ويجوز أن يكون مفعولا به ؛ أي : إلا أن يشاء بي أمرا غير ما قلت .

و ( علما ) : تمييز و ( كل شيء ) : مفعول وسع ؛ أي : علم كل شيء .

ويجوز أن يكون " علما " على هذا التقدير : مصدرا لمعنى وسع ؛ لأن ما يسع الشيء فقد أحاط به ، والعالم بالشيء محيط بعلمه .

التالي السابق


الخدمات العلمية