الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال تعالى : ( وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فسادا والله لا يحب المفسدين ) ( 64 ) .

قوله تعالى : ( ينفق ) : مستأنف . ولا يجوز أن يكون حالا من الهاء ؛ لشيئين : أحدهما : أن الهاء مضاف إليها . والثاني : أن الخبر يفصل بينهما . ولا يجوز أن يكون حالا من اليدين إذ ليس فيها ضمير يعود إليهما . ( للحرب ) : يجوز أن يكون صفة لنار ، فيتعلق بمحذوف ، وأن يكون متعلقا بأوقدوا . و ( فسادا ) : مفعول من أجله .

[ ص: 337 ] قال تعالى : ( ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون ) ( 66 ) .

قوله تعالى : ( لأكلوا من فوقهم ) : مفعول أكلوا محذوف ، ومن فوقهم نعت له ؛ تقديره : رزقا كائنا من فوقهم ، أو مأخوذا من فوقهم . ( ساء ما يعملون ) : ساء هنا بمعنى بئس ، وقد ذكر فيما تقدم .

قال تعالى : ( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين ) ( 67 ) .

قوله تعالى : ( فما بلغت رسالته ) : يقرأ على الإفراد ، وهو جنس في معنى الجمع وبالجمع ؛ لأن جنس الرسالة مختلف .

قال تعالى : ( إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) ( 69 ) .

قوله تعالى : ( والصابئون ) : يقرأ بتحقيق الهمزة على الأصل ، وبحذفها وضم الباء ، والأصل على هذا صبا بالألف المبدلة من الهمزة ، ويقرأ بياء مضمومة ، ووجهه أنه أبدل الهمزة ؛ ياء لانكسار ما قبلها ، ولم يحذفها لتدل على أن أصلها حرف يثبت ، ويقرأ بالهمزة والنصب عطفا على الذين ، وهو شاذ في الرواية ، صحيح في القياس ، وهو مثل الذي في البقرة ، والمشهور في القراءة الرفع ، وفيها أقوال أحدها : قول سيبويه : وهو أن النية به التأخير بعد خبر إن ؛ وتقديره : ولا هم يحزنون ، والصابئون كذلك ، فهو مبتدأ ، والخبر محذوف ومثله : فإنى وقيار بها لغريب

أي : فإني لغريب وقيار بها كذلك .

والثاني : أنه معطوف على موضع إن ؛ كقولك : إن زيدا وعمرو قائمان ، وهذا خطأ ؛ لأن خبر إن لم يتم ، وقائمان إن جعلته خبر إن لم يبق لعمرو خبر ، وإن جعلته خبر عمرو لم يبق لإن خبر ، ثم هو ممتنع من جهة المعنى ؛ لأنك تخبر بالمثنى عن المفرد ، فأما قوله تعالى : ( إن الله وملائكته يصلون على النبي ) : على قراءة من رفع " ملائكته " ، فخبر إن محذوف تقديره : [ ص: 338 ] إن الله يصلي ، وأغنى عنه خبر الثاني ؛ وكذلك لو قلت : إن عمرا وزيد قائم ، فرفعت زيدا ، جاز على أن يكون مبتدأ ، وقائم خبره ، أو خبر إن . والقول الثالث : أن " الصابئون " معطوف على الفاعل في هادوا ، وهذا فاسد لوجهين : أحدهما : أنه يوجب كون الصابئين هودا ، وليس كذلك . والثاني : أن الضمير لم يؤكد . والقول الرابع : أن يكون خبر الصابئين محذوفا من غير أن ينوى به التأخير ، وهو ضعيف أيضا ؛ لما فيه من لزوم الحذف ، والفصل . والقول الخامس : أن إن بمعنى نعم ، فما بعدها في موضع رفع ، فالصابئون كذلك . والسادس : أن " الصابئون " في موضع نصب ، ولكنه جاء على لغة بلحرث الذين يجعلون التثنية بالألف على كل حال ، والجمع بالواو على كل حال ، وهو بعيد . والقول السابع : أن يجعل النون حرف الإعراب .

فإن قيل : فأبوا علي ، إنما أجاز ذلك مع الياء لا مع الواو ، قيل : قد أجازه غيره والقياس لا يدفعه ، فأما " النصارى " فالجيد أن يكون في موضع نصب على القياس المطرد ، ولا ضرورة تدعو إلى غيره .

قال تعالى : ( لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل وأرسلنا إليهم رسلا كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقا كذبوا وفريقا يقتلون ) ( 70 ) .

قوله تعالى : ( فريقا كذبوا وفريقا ) : " فريقا " الأول مفعول كذبوا . والثاني : مفعول " يقتلون " . وكذبوا جواب كلما ، ويقتلون بمعنى قتلوا ، وإنما جاء كذلك لتتوافق رءوس الآي .

قال تعالى : ( وحسبوا ألا تكون فتنة فعموا وصموا ثم تاب الله عليهم ثم عموا وصموا كثير منهم والله بصير بما يعملون ) ( 71 ) .

قوله تعالى : ( ألا تكون ) : يقرأ بالنصب على أن " أن " الناصبة للفعل ، وحسبوا بمعنى الشك .

ويقرأ بالرفع على أن " أن " المخففة من الثقيلة ، وخبرها محذوف ، وجاز ذلك لما فصلت " لا " بينها وبين الفعل ، وحسبوا على هذا بمعنى علموا ، وقد جاء الوجهان فيها . ولا يجوز أن تكون المخففة من الثقيلة مع أفعال الشك والطمع ، ولا الناصبة للفعل مع علمت ، وما كان في معناها ، وكان هنا هي التامة . ( فعموا وصموا ) : هذا هو المشهور .

[ ص: 339 ] ويقرأ بضم العين والصاد ، وهو من باب زكم وأزكمه الله ، ولا يقال عميته وصممته ، وإنما جاء بغير همزة فيما لم يسم فاعله ، وهو قليل ، واللغة الفاشية أعمى وأصم .

( كثير منهم ) : هو خبر مبتدأ محذوف ؛ أي : العمى والصم كثير ، وقيل : هو بدل من ضمير الفاعل في صموا . وقيل : هو مبتدأ ، والجملة قبله خبر عنه ؛ أي : كثير منهم عموا ، وهو ضعيف ؛ لأن الفعل قد وقع في موضعه ، فلا ينوى به غيره . وقيل : الواو علامة جمع لا اسم ، وكثير فاعل صموا .

التالي السابق


الخدمات العلمية