قال تعالى : ( ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه واعلموا أن الله غني حميد يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ( 267 ) ) .
قوله تعالى : ( أنفقوا من طيبات ) : المفعول محذوف ; أي شيئا من طيبات . وقد ذكر مستوفى فيما تقدم .
( ولا تيمموا ) : الجمهور على تخفيف التاء ، وماضيه تيمم والأصل تتيمموا ، فحذف التاء الثانية ، كما ذكر في قوله : " تظاهرون " .
ويقرأ بتشديد التاء ، وقبله ألف وهو جمع بين ساكنين ، وإنما سوغ ذلك المد الذي في الألف ، وقرئ بضم التاء ، وكسر الميم الأولى على أنه لم يحذف شيئا ، ووزنه تفعلوا .
( منه ) : متعلقة بـ " تنفقون " والجملة في موضع الحال من الفاعل في تيمموا ، وهي حال مقدرة ; لأن الإنفاق منه يقع بعد القصد إليه .
[ ص: 178 ] ويجوز أن يكون حالا من الخبيث ; لأن في الكلام ضميرا يعود إليه ; أي منفقا منه .
( والخبيث ) : صفة غالبة ، فلذلك لا يذكر معها الموصوف .
( ولستم بآخذيه ) : مستأنف لا موضع له . ( إلا أن تغمضوا ) : في موضع الحال ; أي إلا في حال الإغماض .
والجمهور على ضم التاء ، وإسكان الغين ، وكسر الميم ، وماضيه أغمض ، وهو متعد ، وقد حذف مفعوله ; أي تغمضوا أبصاركم أو بصائركم ، ويجوز أن يكون لازما مثل أغضى عن كذا ، ويقرأ كذلك ، إلا أنه بتشديد الميم وفتح الغين ، والتقدير : أبصاركم .
ويقرأ تغمضوا : بضم التاء والتخفيف ، وفتح الميم على ما لم يسم فاعله ، والمعنى إلا أن تحملوا على التغافل عنه ، والمسامحة فيه .
ويجوز أن يكون من أغمض إذا صودف على تلك الحال ; كقولك أحمد الرجل ; أي وجد محمودا ، ويقرأ بفتح الفاء وإسكان الغين ، وكسر الميم من غمض يغمض ، وهي لغة في غمض ، ويقرأ كذلك إلا أنه بضم الميم ، وهو من غمض ، كظرف ; أي خفي عليكم رأيكم فيه .
قال تعالى : ( الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا والله واسع عليم ( 268 ) ) .
قوله تعالى : ( يعدكم ) : أصله يوعدكم ، فحذفت الواو لوقوعها بين ياء مفتوحة وكسرة ، وهو يتعدى إلى مفعولين ، وقد يجيء بالباء يقال : وعدته بكذا .
( مغفرة ) : يجوز أن يكون صفة ، وأن يكون مفعولا متعلقا بيعد ; أي يعدكم من تلقاء نفسه : وفضلا تقديره : منه استغنى بالأولى عن إعادتها .
قال تعالى : ( يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وما يذكر إلا أولو الألباب ( 269 ) ) .
قوله تعالى : ( ومن يؤت ) : يقرأ بضم الياء وفتح التاء ; و " من " على هذا مبتدأ وما بعدها الخبر ويقرأ بكسر التاء ، فمن على هذا في موضع نصب بيؤت ، ويؤت مجزوم بها ، فقد عمل فيما عمل فيه ، والفاعل ضمير اسم الله .
[ ص: 179 ] والأصل في : ( يذكر ) : يتذكر ، فأبدلت التاء ذالا لتقرب منها فتدغم .
قال تعالى : ( وما أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر فإن الله يعلمه وما للظالمين من أنصار ( 270 ) ) .
قوله تعالى : ( ما أنفقتم ) : ما شرط . وموضعها نصب بالفعل الذي يليها ، وقد ذكرنا مثله في قوله : ( وما تفعلوا من خير يعلمه الله ) [ البقرة : 197 ] .