[ ص: 166 ] قال تعالى : ( فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي ( 256 ) ) .
قوله تعالى : ( قد تبين ) : الرشد الجمهور على إدغام الدال في التاء ; لأنها من مخرجها ، وتحويل الدال إلى التاء أولى ; لأن الدال شديدة ، والتاء مهموسة ، والمهموس أخف . ويقرأ بالإظهار ، وهو ضعيف ; لما ذكرنا .
والرشد بضم الراء وسكون الشين هو المشهور ، وهو مصدر من رشد بفتح الشين يرشد بضمها ، ويقرأ بفتح الراء والشين وفعله رشد يرشد مثل علم يعلم .
( من الغي ) : في موضع نصب على أنه مفعول ، وأصل الغي غوى ; لأنه من غوى يغوي ، فقلبت الواو ياء لسكونها وسبقها ثم أدغمت .
و ( الطاغوت ) : يذكر ويؤنث ، ويستعمل بلفظ واحد في الجمع والتوحيد والتذكير والتأنيث ، ومنه قوله : ( والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها ) [ الزمر : 17 ] وأصله طغيوت ; لأنه من طغيت تطغى . ويجوز أن يكون من الواو ; لأنه يقال فيه يطغو أيضا ، والياء أكثر ، وعليه جاء الطغيان ، ثم قدمت اللام فجعلت قبل الغين ، فصار طيغوتا أو طوغوتا ، فلما تحرك الحرف ، وانفتح ما قبله ، قلب ألفا ، فوزنه الآن فلعوت . وهو مصدر في الأصل مثل الملكوت والرهبوت . ( الوثقى ) : تأنيث الأوثق ، مثل الوسطى والأوسط وجمعه الوثق مثل الصغر والكبر ، وأما الوثق بضمتين فجمع وثيق .
( لا انفصام لها ) : في موضع نصب على الحال من العروة .
ويجوز أن يكون حالا من الضمير في الوثقى .
قال تعالى : ( والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور ( 257 ) ) .
قوله تعالى : ( والذين كفروا ) : مبتدأ ، أولياؤهم مبتدأ ثان ، " الطاغوت " خبر الثاني ، والثاني وخبره خبر الأول .
وقد قرئ الطواغيت على الجمع ، وإنما جمع ، وهو مصدر ; لأنه صار اسما لما يعبد من دون الله . ( يخرجونهم ) : مستأنف لا موضع لها .
ويجوز أن يكون حالا ، والعامل فيه معنى الطاغوت ، وهو نظير ما قال أبو علي في قوله : ( إنها لظى نزاعة ) [ المعارج : 15 : 16 ] وسنذكره في موضعه .
[ ص: 167 ] فأما : ( يخرجهم ) : فيجوز أن يكون خبرا ثانيا ، وأن يكون حالا من الضمير في " ولي " .
قال تعالى : ( إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك ( 258 ) ) .
قوله تعالى : ( أن آتاه الله ) في موضع نصب عند وجر عند سيبويه الخليل ; لأن تقديره : لأن آتاه الله ; فهو مفعول من أجله ; والعامل فيه " حاج " والهاء ضمير إبراهيم .
ويجوز أن تكون ضمير الذي ، و ( إذ ) : يجوز أن تكون ظرفا لحاج ، وأن تكون لآتاه .
وذكر بعضهم أنه بدل من " أن آتاه " وليس بشيء ، لأن الظرف غير المصدر ، فلو كان بدلا لكان غلطا ، إلا أن تجعل إذ بمعنى أن المصدرية ، وقد جاء ذلك ، وسيمر بك في القرآن مثله . ( أنا أحيي ) : الاسم الهمزة والنون ، وإنما زيدت الألف عليها في الوقف لبيان حركة النون ، فإذا وصلته بما بعده حذفت الألف للغنية عنها .
وقد قرأ نافع بإثبات الألف في الوصل ، وذلك على إجراء الوصل مجرى الوقف ، وقد جاء ذلك في الشعر .
قوله تعالى : ( فإن الله يأتي ) : دخلت الفاء إيذانا بتعلق هذا الكلام بما قبله ، والمعنى إذا ادعيت الإحياء والإماتة ولم تفهم ، فالحجة أن الله يأتي بالشمس ، هذا هو المعنى . و ( من المشرق ) و ( من المغرب ) : متعلقان بالفعل المذكور ، وليسا حالين ، وإنما هما لابتداء غاية الإتيان . ويجوز أن يكونا حالين ; ويكون التقدير : مسخرة أو منقادة .
[ ص: 168 ] ( فبهت ) : على ما لم يسم فاعله ، ويقرأ بفتح الباء وضم الهاء ، وبفتح الباء وكسر الهاء ، وهما لغتان ، والفعل فيهما لازم . ويقرأ بفتحهما ، فيجوز أن يكون الفاعل ضمير إبراهيم ، و " الذي " مفعول .
ويجوز أن يكون الذي فاعلا ، ويكون الفعل لازما .