قال تعالى : ( والذين من قبلكم لعلكم تتقون يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم ( 21 ) ) .
قوله تعالى : ( ياأيها الناس ) : أي اسم مبهم لوقوعه على كل شيء أتي به في النداء توصلا إلى نداء ما فيه الألف واللام إذا كانت ( ( يا ) ) لا تباشر الألف واللام ، وبنيت لأنها اسم مفرد مقصود ، وها مقحمة للتنبيه ; لأن الأصل أن تباشر ( ( يا ) ) الناس ، فلما حيل بينهما بأي ، عوض من ذلك ( ( ها ) ) ، والناس وصف لأي لا بد منه ; لأنه المنادى في المعنى ، ومن هاهنا رفع ; ورفعه أن يجعل بدلا من ضمة البناء ، وأجاز المازني نصبه كما يجيز يا زيد الظريف ، وهو ضعيف لما قدمنا من لزوم ذكره ، والصفة لا يلزم ذكرها . ( من قبلكم ) : من هنا لابتداء الغاية في الزمان ، والتقدير : والذين خلقهم من قبل خلقكم ; [ ص: 38 ] فحذف الخلق ، وأقام الضمير مقامه . ( لعلكم ) : متعلق في المعنى بـ ( اعبدوا ) ; أي اعبدوا ليصح منكم رجاء التقوى ; والأصل توتقيون ; فأبدل من الواو تاء ، وأدغمت في التاء الأخرى ، وسكنت الياء ، ثم حذفت ، وقد تقدمت نظائره فوزنه الآن تفتعون .
قال تعالى : ( وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء ( 22 ) ) .
قوله تعالى : ( الذي جعل ) : هو في موضع نصب بـ ( تتقون ) ، أو بدل من ربكم ، أو صفة مكررة ، أو بإضمار أعني .
ويجوز أن يكون في موضع رفع على إضمار هو الذي ، وجعل هنا متعد إلى مفعول واحد ، وهو الأرض . ( فراشا ) حال ، ومثله : ( والسماء بناء ) .
ويجوز أن يكون جعل بمعنى صير ، فيتعدى إلى مفعولين ، وهما الأرض وفراشا ، ومثله : والسماء بناها . ( ولكم ) متعلق بـ ( جعل ) ; أي لأجلكم . ( من السماء ) : متعلق بأنزل ، وهي لابتداء غاية المكان .
ويجوز أن يكون حالا . والتقدير : ماء كائنا من السماء ; فلما قدم الجار صار حالا ، وتعلق بمحذوف ، والأصل في ماء موه ; لقولهم : ماهت الركية تموه ، وفي الجمع أمواه ، فلما تحركت الواو وانفتح ما قبلها قلبت ألفا ، ثم أبدلوا من الهاء همزة وليس بقياس .
( من الثمرات ) : متعلق بأخرج ، فيكون ( ( من ) ) لابتداء الغاية ، ويجوز أن يكون في موضع الحال ، تقديره : رزقا كائنا من الثمرات .
و ( لكم ) : أي من أجلكم . والرزق هنا بمعنى المرزوق ، وليس بمصدر .
( فلا تجعلوا ) : أي لا تصيروا ، أو لا تسموا ، فيكون متعديا إلى مفعولين .
والأنداد : جمع ند ونديد . ( وأنتم تعلمون ) : مبتدأ وخبر في موضع الحال . ومفعول تعلمون محذوف ; أي تعلمون بطلان ذلك .
والاسم من أنتم ( ( أن ) ) ، والتاء للخطاب ، والميم للجمع ، وهما حرفا معنى .
قال تعالى : ( فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا ( 23 ) ) .
[ ص: 39 ] قوله تعالى : ( وإن كنتم ) : جواب الشرط ( ( فأتوا بسورة ) ) . و ( ( إن كنتم صادقين ) ) شرط أيضا جوابه محذوف أغنى عنه جواب الشرط الأول ; أي إن كنتم صادقين فافعلوا ذلك . ولا تدخل إن الشرطية على فعل ماض في المعنى ; إلا على كان لكثرة استعمالها ، وأنها لا تدل على حدث . ( مما نزلنا ) : في موضع جر صفة لريب ; أي ريب كائن مما نزلنا .
والعائد على ( ( ما ) ) محذوف أي نزلناه ، و ( ( ما ) ) بمعنى الذي ، أو نكرة موصوفة . ويجوز أن يتعلق ( ( من ) ) بريب ; أي إن ارتبتم من أجل ما نزلنا .
( فأتوا ) : أصله : ائتيوا ، وماضيه أتى ، ففاء الكلمة همزة ; فإذا أمرت زدت عليها همزة الوصل مكسورة ، فاجتمعت همزتان والثانية ساكنة ، فأبدلت الثانية ياء لئلا يجمع بين همزتين ، وكانت الياء الأولى للكسرة قبلها ، فإذا اتصل بها شيء حذفت همزة الوصل استغناء عنها ، ثم همزة الياء لأنك أعدتها إلى أصلها لزوال الموجب لقلبها .
ويجوز قلب هذه الهمزة ألفا إذا انفتح ما قبلها مثل هذه الآية ، وياء إذا انكسر ما قبلها ; كقوله : الذي إيتمن ، فتصيرها ياء في اللفظ ، وواوا إذا انضم ما قبلها ; كقوله : يا صالح أوتنا . ومنهم من يقول : ذن لي . ( من مثله ) : الهاء تعود على النبي - صلى الله عليه وسلم - فيكون من للابتداء ، ويجوز أن تعود على القرآن فتكون من زائدة ، ويجوز أن تعود على الأنداد بلفظ المفرد ; كقوله تعالى : ( وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين ) [ النحل : 66 ] .
( وادعوا ) : لام الكلمة محذوف ; لأنه حذف في الواحد دليلا على السكون الذي هو جزم في المعرب ، وهذه الواو ضمير الجماعة .
( من دون الله ) : في موضع الحال من الشهداء ، والعامل فيه محذوف تقديره : شهداءكم منفردين عن الله ، أو عن أنصار الله .