قال تعالى : ( ذلك لتعلموا أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض وأن الله بكل شيء عليم جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس والشهر الحرام والهدي والقلائد ) ( 97 ) .
قوله تعالى : ( جعل الله ) : هي بمعنى صير ، فيكون ( قياما ) : مفعولا ثانيا ، وقيل : هي بمعنى خلق ، فيكون قياما حالا ، و ( البيت ) : بدل من الكعبة ، ويقرأ ( قياما ) بالألف ؛ أي : سببا لقيام دينهم ومعاشهم . ويقرأ : ( قيما ) بغير ألف وهو محذوف من قيام كخيم في خيام . ( ذلك ) : في موضع رفع خبر مبتدأ محذوف ؛ أي : الحكم الذي ذكرناه ذلك ؛ أي : لا غيره ، ويجوز أن يكون المحذوف هو الخبر ، ويجوز أن يكون في موضع نصب ؛ أي : فعلنا ذلك أو شرعنا ، واللام في " لتعلموا " متعلقة بالمحذوف .
قال تعالى : ( وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم عفا الله عنها والله غفور حليم يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم ) ( 101 ) .
قوله تعالى : ( عن أشياء ) : الأصل فيها عند الخليل " شيئاء " بهمزتين بينهما ألف ، وهي فعلاء من لفظ شيء ، وهمزتها الثانية للتأنيث ، وهي مفردة في اللفظ ، ومعناها الجمع ، مثل قصباء وطرفاء ، ولأجل همزة التأنيث لم تنصرف ، ثم إن الهمزة الأولى التي هي لام الكلمة قدمت فجعلت قبل الشين كراهية الهمزتين بينهما ألف ، خصوصا بعد الياء ، فصار وزنها لفعاء ، وهذا قول صحيح ، لا يرد عليه إشكال . وسيبويه
[ ص: 346 ] وقال الأخفش : أصل الكلمة شيء مثل هين على فيعل ، ثم خففت ياؤه كما خففت ياء هين ، فقيل : شيء كما قيل " هين " ثم جمع على أفعلاء ؛ وكان الأصل أشياء ؛ كما قالوا هين وأهوناء ، ثم حذفت الهمزة الأولى ، فصار وزنها أفعاء ، فلامها محذوفة . والفراء
وقال آخرون : الأصل في " شيء " شييء مثل صديق ، ثم جمع على أفعلاء كأصدقاء وأنبياء ، ثم حذفت الهمزة الأولى ، وقيل : هو جمع شيء من غير تغيير ؛ كبيت وأبيات ، وهو غلط ؛ لأن مثل هذا الجمع ينصرف ، وعلى الأقوال الأول يمتنع صرفه ؛ لأجل همزة التأنيث ، ولو كان أفعالا لانصرف ، ولم يسمع أشياء منصرفة البتة ، وفي هذه المسألة كلام طويل فموضعه التصريف . ( إن تبد لكم تسؤكم ) : الشرط وجوابه في موضع جر صفة لأشياء . ( عفا الله عنها ) : قيل : هو مستأنف .
وقيل : هو في موضع جر أيضا ، والنية به التقديم ؛ أي : عن أشياء قد عفا الله لكم عنها .
قال تعالى : ( قد سألها قوم من قبلكم ثم أصبحوا بها كافرين ) ( 102 ) .
قوله تعالى : ( من قبلكم ) : هو متعلق بسألها ، ولا يجوز أن يكون صفة لقوم ولا حالا ؛ لأن ظرف الزمان لا يكون صفة للجثة ، ولا حالا منها ، ولا خبرا عنها .
قال تعالى : ( ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب وأكثرهم لا يعقلون ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام ) ( 103 ) .
قوله تعالى : ( ما جعل الله من بحيرة ) : " من " زائدة ، وجعل هاهنا بمعنى سمى ، فعلى هذا يكون بحيرة أحد المفعولين ، والآخر محذوف ؛ أي : ما سمى الله حيوانا بحيرة . ويجوز أن تكون جعل متعدية إلى مفعول واحد ، بمعنى ما شرع ، ولا وضع ، وبحيرة فعيلة بمعنى مفعولة ، والسائبة فاعلة من ساب يسيب إذا جرى ، وهو مطاوع سيبه فساب . وقيل : هي فاعلة بمعنى مفعولة ؛ أي : مسيبة ، والوصيلة بمعنى الواصلة ، والحامي فاعل من حمى ظهره يحميه .
قال تعالى : ( أولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا ) ( 104 ) .
[ ص: 347 ] قوله تعالى : ( حسبنا ) : هو مبتدأ ، وهو مصدر بمعنى اسم الفاعل ، و " ما وجدنا " هو الخبر ، ( وما ) : بمعنى الذي ، أو نكرة موصوفة ؛ والتقدير : كافينا الذي وجدناه ، ووجدنا هنا يجوز أن تكون بمعنى علمنا ، فيكون " عليه " المفعول الثاني ، ويجوز أن تكون بمعنى صادفنا ، فتتعدى إلى مفعول واحد بنفسها ، وفي عليه على هذا وجهان : أحدهما : هي متعلقة بالفعل معدية له كما تتعدى ضربت زيدا بالسوط . والثاني : أن تكون حالا من الآباء ، وجواب ( أولو كان ) محذوف تقديره : أولو كانوا يتبعونهم .
قال تعالى : ( إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم تعملون يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم ) ( 105 ) .
قوله تعالى : ( عليكم أنفسكم ) : عليكم هو اسم للفعل هاهنا ، وبه انتصب " أنفسكم " ، والتقدير : احفظوا أنفسكم . والكاف والميم في عليكم في موضع جر ؛ لأن اسم الفعل هو الجار والمجرور ، وعلى وحدها لم تستعمل اسما للفعل ، بخلاف رويدكم ، فإن الكاف والميم هناك للخطاب فقط ، ولا موضع لهما ؛ لأن رويدا قد استعملت اسما للأمر للمواجه من غير كاف الخطاب . وهكذا قوله : ( مكانكم أنتم وشركاؤكم ) : الكاف والميم في موضع جر أيضا ، ويذكر في موضعه إن شاء الله تعالى . ( لا يضركم ) : يقرأ بالتشديد والضم على أنه مستأنف . وقيل : حقه الجزم على جواب الأمر ، ولكنه حرك بالضم إتباعا لضمة الضاد ، ويقرأ بفتح الراء على أن حقه الجزم وحرك بالفتح ، ويقرأ بتخفيف الراء وسكونها وكسر الضاد ، وهو من ضاره يضيره ، ويقرأ كذلك إلا أنه بضم الضاد ، وهو من ضاره يضوره ، وكل ذلك لغات فيه . و ( إذا ) : ظرف ليضر ، ويبعد أن يكون ظرفا لضل ؛ لأن المعنى لا يصح معه .