قال تعالى : ( يشترون الضلالة ويريدون أن تضلوا السبيل ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب ( 44 ) والله أعلم بأعدائكم وكفى بالله وليا وكفى بالله نصيرا ( 45 ) ) .
قوله تعالى : ( من الكتاب ) : صفة لنصيب . ( يشترون ) : حال من الفاعل في أوتوا . " ويريدون " مثله وإن شئت جعلتهما حالين من الموصول ، وهو قوله : " من الذين أوتوا " وهي حال مقدرة ، ويقال ضللت " السبيل " وعن السبيل ، وهو مفعول به ، وليس بظرف ، وهو كقولك أخطأ الطريق . ( وليا ) و ( نصيرا ) : منصوبان على التمييز . وقيل : على الحال .
قال تعالى : ( ويقولون سمعنا وعصينا واسمع غير مسمع وراعنا ليا بألسنتهم وطعنا في الدين ولو أنهم قالوا سمعنا وأطعنا واسمع وانظرنا لكان خيرا لهم وأقوم ولكن لعنهم الله بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ) ( 46 ) .
قوله تعالى : ( من الذين هادوا ) : فيه ثلاثة أوجه : أحدها : أنه خبر مبتدأ محذوف ، وفي ذلك تقديران : أحدهما تقديره : هم من الذين ، فـ " يحرفون " على هذا حال من الفاعل في هادوا . والثاني : تقديره : من الذين هادوا قوم ، فقوم هو المبتدأ وما قبله الخبر ، ويحرفون نعت لقوم . وقيل التقدير : من الذين هادوا من يحرفون ، كما قال : ( وما [ ص: 280 ] منا إلا له ) [ الصافات : 164 ] ؛ أي : من له ، ومن هذه عندنا نكرة موصوفة مثل قوم ، وليست بمعنى الذي ؛ لأن الموصول لا يحذف دون صلته . والوجه الثاني : أن من الذين متعلق بنصير ، فهو في موضع نصب به ، كما قال : ( فمن ينصرنا من بأس الله ) [ غافر : 29 ] ؛ أي : يمنعنا . والثالث : أنه حال من الفاعل في يريدون ، ولا يجوز أن يكون حالا من الضمير في أوتوا ؛ لأن شيئا واحدا لا يكون له أكثر من حال واحدة ، إلا أن يعطف بعض الأحوال على بعض ، ولا يكون حالا من الذين لهذا المعنى ، وقيل : هو حال من أعدائكم ؛ أي : والله أعلم بأعدائكم كائنين من الذين ، والفصل المعترض بينهما مسدد ، فلم يمتنع من الحال ، وفي كل موضع جعلت فيه من الذين هادوا حالا ، فيحرفون فيه حال من الفاعل في هادوا . و ( الكلم ) : جمع كلمة . ويقرأ : " الكلام " والمعنى متقارب . و ( عن مواضعه ) : متعلق بيحرفون ، وذكر الضمير المضاف إليه حملا على معنى الكلم ؛ لأنها جنس . ( ويقولون ) : عطف على يحرفون . و ( غير مسمع ) : حال ، والمفعول الثاني محذوف ؛ أي : لا أسمعت مكروها ، هذا ظاهر قولهم ، فأما ما أرادوا فهو لا أسمعت خيرا . وقيل : أرادوا غير مسموع منك . ( وراعنا ) : قد ذكر في البقرة . و ( ليا ) ، ( وطعنا ) : مفعول له . وقيل : مصدر في موضع الحال ، والأصل في لي لوى فقلبت الواو ياء ، وأدغمت . و ( في الدين ) : متعلق بـ " طعن " . ( خيرا لهم ) يجوز أن يكون بمعنى أفعل ؛ كما قال " وأقوم " . ومن محذوفة ؛ أي : من غيره ، ويجوز أن يكون بمعنى فاضل وجيد ، فلا يفتقر إلى " من " . ( إلا قليلا ) : صفة مصدر محذوف ؛ أي : إيمانا قليلا .
قال تعالى : ( من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت وكان أمر الله مفعولا يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم ) ( 47 ) .
قوله تعالى : ( من قبلكم ) : متعلق بآمنوا ، و ( على أدبارها ) : حال من ضمير الوجوه وهي مقدرة .
قال تعالى : ( ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ) ( 48 ) .
قوله تعالى : ( ويغفر ما دون ذلك ) : هو مستأنف غير معطوف على يغفر الأولى ؛ لأنه لو عطف عليه لصار منفيا .
[ ص: 281 ] قال تعالى : ( بل الله يزكي من يشاء ولا يظلمون فتيلا ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم ) ( 49 ) .
قوله تعالى : ( بل الله يزكي من يشاء ) : تقديره : أخطئوا ، بل الله يزكي . ( ولا يظلمون ) : ضمير الجمع يرجع إلى معنى من ، ويجوز أن يكون مستأنفا ؛ أي : من زكى نفسه ، ومن زكاه الله . و ( فتيلا ) : مثل " مثقال ذرة " في الإعراب ، وقد ذكر .
قال تعالى : ( وكفى به إثما مبينا انظر كيف يفترون على الله الكذب ) ( 50 ) .
قوله تعالى : ( كيف يفترون ) : كيف منصوب بيفترون ، وموضع الكلام نصب بانظروا . و ( على الله ) : متعلق بيفترون . ويجوز أن يكون حالا من " الكذب " . ولا يجوز أن يتعلق بالكذب ؛ لأن معمول المصدر لا يتقدم عليه ، فإن جعل على التبيين جاز .
قال تعالى : ( يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب ) ( 51 ) .
قوله تعالى : ( هؤلاء أهدى ) : مبتدأ وخبر في موضع نصب بيقولون . و ( للذين كفروا ) : تخصيص وتبيين متعلق بيقولون أيضا . ( يؤمنون بالجبت ) ، ( ويقولون ) مثل : يشترون الضلالة ، ويريدون ، وقد ذكر .