قال تعالى : ( وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا ) ( 36 ) .
قوله تعالى : ( وبالوالدين إحسانا ) : في نصب " إحسانا " أوجه قد ذكرناها في البقرة عند قوله : ( وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل ) [ البقرة : 83 ] .
و ( الجنب ) : يقرأ بضمتين ، وهو وصف مثل ناقة أجد ، ويد سجح . ويقرأ بفتح الجيم ، وسكون النون ، وهو وصف أيضا ، وهو المجانب ، وهو مثل قولك : رجل عدل . ( والصاحب بالجنب ) : يجوز أن تكون الباء بمعنى في ، وأن تكون على بابها ، وعلى كلا الوجهين هو حال من الصاحب ، والعامل فيها المحذوف .
قال تعالى : ( ويكتمون ما آتاهم الله من فضله وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ) ( 37 ) .
قوله تعالى : الذين يبخلون فيه وجهان : أحدهما : هو منصوب بدل من " من " في قوله : ( من كان مختالا فخورا ) وجمع على معنى من . ويجوز أن يكون محمولا على قوله : مختالا فخورا ، وهو خبر كان ، وجمع على المعنى أيضا ، أو على إضمار أذم . والثاني : أن يكون مبتدأ ، والخبر محذوف ؛ تقديره : مبغضون ؛ ودل عليه ما تقدم من قوله : لا يحب . ويجوز أن يكون الخبر معذبون لقوله : ( وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا ) . ويجوز أن يكون التقدير : هم الذين . ويجوز أن يكون مبتدأ ، والذين ينفقون معطوف عليه ، والخبر " إن الله لا يظلم " ؛ أي : لا يظلمهم . والبخل والبخل لغتان ، وقد [ ص: 276 ] قرئ بهما ، وفيه لغتان أخريان : البخل بضم الخاء والباء ، والبخل بفتح الباء وسكون الخاء . و ( من فضله ) : حال من " ما " أو من العائد المحذوف .
قال تعالى : ( ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ومن يكن الشيطان له قرينا فساء قرينا والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس ) ( 38 ) .
قوله تعالى : ( والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس ) : " رئاء " مفعول من أجله ، والمصدر مضاف إلى المفعول ، فعلى هذا يكون قوله : " ولا يؤمنون بالله " معطوفا على ينفقون داخلا في الصلة . ويجوز أن يكون مستأنفا . ويجوز أن يكون " رئاء الناس " مصدرا في موضع الحال ؛ أي : ينفقون مرائين .
( فساء قرينا ) : أي : فساء هو ، والضمير عائد على من ، أو على الشيطان ، وقرينا تمييز ، وساء هنا منقولة إلى باب نعم وبئس ، ففاعلها والمخصوص بعدها بالذم مثل فاعل بئس ومخصوصها ؛ والتقدير : فساء الشيطان والقرين .
فأما قوله : ( والذين ينفقون ) : ففي موضعه ثلاثة أوجه : أحدها : هو جر عطفا على الكافرين في قوله : ( وأعتدنا للكافرين ) . والثاني : نصب على ما انتصب عليه الذين يبخلون . والثالث : رفع على ما ارتفع عليه الذين يبخلون ، وقد ذكرا ، فأما " رئاء الناس " فقد ذكرنا أنه مفعول له أو حال من فاعل ينفقون . ويجوز أن يكون حالا من الذين ينفقون ؛ أي الموصول ؛ فعلى هذا يكون قوله : " ولا يؤمنون " مستأنفا لئلا يفرق بين بعض الصلة وبعض بحال الموصول .
قوله تعالى : ( وماذا عليهم ) : فيه وجهان : أحدهما : " ما " مبتدأ ، و " ذا " بمعنى الذي ، وعليهم صلتها ، والذي وصلتها خبر ما .
وأجاز قوم أن تكون الذي وصلتها مبتدأ ، وما خبرا مقدما ، وقدم الخبر ؛ لأنه استفهام . والثاني : أن ما وذا اسم واحد مبتدأ ، وعليهم الخبر ، وقد ذكرنا هذا في البقرة بأبسط من [ ص: 277 ] هذا و ( لو ) : فيها وجهان : أحدهما : هي على بابها ، والكلام محمول على المعنى ؛ أي : لو آمنوا لم يضرهم . والثاني : أنها بمعنى أن الناصبة للفعل ، كما ذكرنا في قوله : ( لو يعمر ألف سنة ) [ البقرة : 96 ] وغيره .
ويجوز أن تكون بمعنى إن الشرطية كما جاء في قوله : ( ولو أعجبتكم ) ؛ أي : وأي شيء عليهم إن آمنوا ؛ وتقديره على الوجه الآخر : أي شيء عليهم في الإيمان .
قال تعالى : ( وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما إن الله لا يظلم مثقال ذرة ) ( 40 ) .
قوله تعالى : ( مثقال ذرة ) : فيه وجهان : أحدهما : هو مفعول ليظلم ؛ والتقدير : لا يظلمهم ، أو لا يظلم أحدا ، ويظلم بمعنى ينتقص ؛ أي : ينقص ، وهو متعد إلى مفعولين . والثاني : هو صفة مصدر محذوف ؛ تقديره : ظلما قدر مثقال ذرة ، فحذف المصدر وصفته ، وأقام المضاف إليه مقامهما . ( وإن تك حسنة ) : حذفت نون تكن لكثرة استعمال هذه الكلمة ، وشبه النون لغنتها وسكونها بالواو ، فإن تحركت لم تحذف نحو : ( ومن يكن الشيطان ) [ النساء : 38 ] ، ( لم يكن الذين ) [ البينة : 1 ] و " حسنة " بالرفع على أن كان التامة ، وبالنصب على أنها الناقصة . و " من لدنه " متعلق بيؤت ، أو حال من الأجر .