والمنسأة : العصا اسم آلة من نسأه أي : أخره كالمكسحة والمكنسة . وفيها الهمزة وهو لغة تميم وأنشد :
3727 - أمن أجل حبل لا أباك ضربته بمنسأة قد جر حبلك أحبلا
والألف وهي لغة الحجاز . وأنشد :
3728 - إذا دببت على المنساة من كبر فقد تباعد عنك اللهو والغزل
372 - 9- وخندف هامة هذا العألم
ذكره ابن مالك . وهذا لا أدري ما حمله عليه ، كيف يعتقد أنه هرب من شيء ثم يعود إليه ؟ وأيضا فإنهم نصوا على أنه إذا أبدل من الألف همزة : فإن كان لتلك الألف أصل حركت هذه الهمزة بحركة أصل الألف . وأنشد أبو الحسن ابن عصفور على ذلك :
3730 - ولى نعام بني صفوان زوزأة ... ... ... ...
قال : الأصل زوزاة . وأصل هذا : زوزوة ، فلما أبدلت من الألف همزة حركها بحركة الواو . إذا عرفت هذا فكان ينبغي أن تبدل هذه الألف همزة مفتوحة ; لأنها عن أصل متحرك ، وهو الهمزة المفتوحة ، فتعود إلى الأول ، وهذا لا يقال . الثاني : أنه سكن الفتحة تخفيفا ، والفتحة قد سكنت في مواضع تقدم التنبيه عليها وشواهدها . ويحسنه هنا : أن الهمزة تشبه حروف العلة ، وحرف العلة تستثقل عليه الحركة من حيث الجملة ، وإن كان لا تستثقل الفتحة [ ص: 165 ] لخفتها . وأنشدوا على تسكين همزتها :
3731 - صريع خمر قام من وكاءته كقومة الشيخ إلى منسأته
وقد طعن قوم على هذه القراءة ، ونسبوا راويها إلى الغلط . قالوا : لأن قياس تخفيفها إنما هو تسهيلها بين بين ، وبه قرأ وصاحباه ، فظن الراوي أنهم سكنوا . وضعفها أيضا بعضهم : بأنه يلزم سكون ما قبل تاء التأنيث ، وما قبلها واجب الفتح إلا الألف . ابن عامر
وأما قراءة الإبدال فقيل : هي غير قياسية ، يعنون أنها ليست على قياس تخفيفها . إلا أن هذا مردود : بأنها لغة الحجاز ، ثابتة ، فلا يلتفت لمن طعن . وقد قال : - وكفى به - " أنا لا أهمزها ، لأني لا أعرف لها اشتقاقا ، فإن كانت مما لا يهمز فقد أخطئ . وإن كانت تهمز فقد يجوز لي ترك الهمز فيما يهمز " . وهذا الذي ذكره أبو عمرو أحسن ما يقال في هذا ونظائره . أبو عمرو
وقرئ " منسأته " بفتح الميم مع تحقيق الهمزة ، وإبدالها ألفا ، وحذفها تخفيفا ، و " منساءته " بزنة مفعالته كقولهم : ميضأة وميضاءة وكلها لغات .
وقرأ " من سأته " فصل " من " وجعلها حرف جر ، وجعل " سأته " مجرورة بها . والسأة والسئة هنا العصا . وأصلها يد القوس العليا والسفلى يقال : ساة القوس مثل شاة ، وسئتها ، فسميت العصا بذلك على وجه الاستعارة . والمعنى : تأكل [ ص: 166 ] من طرف عصاه . ووجه ذلك كما جاء في التفسير : أنه اتكأ على عصا خضراء من خروب ، والعصا الخضراء متى اتكئ عليها تصير كالقوس في الاعوجاج غالبا . وساة فعلة ، وسئة : فعلة نحو : قحة وقحة ، والمحذوف لامهما . ابن جبير
وقال : " سمى العصا ساءة لأنها تسوء ، فهي فلة ، والعين محذوفة " قلت : وهذا يقتضي أن تكون القراءة بهمزة ساكنة ، والمنقول أن هذه القراءة بألف صريحة ولأبي الفتح أن يقول : أصلها الهمز ، ولكن أبدلت . ابن جني
وقوله : " دابة الأرض " فيه وجهان ، أظهرهما : أن الأرض هذه المعروفة . والمراد بدابة الأرض الأرضة دويبة تأكل الخشب . الثاني : أن الأرض مصدر لقولك : أرضت الدابة الخشبة تأرضها أرضا أي : أكلتها . فكأنه قيل : دابة الأكل . يقال : أرضت الدابة الخشبة تأرضها أرضا فأرضت بالكسر تأرض هي بالفتح أرضا بالفتح أيضا نحو : أكلت القوادح الأسنان تأكلها أكلا فأكلت هي بالكسر تأكل أكلا بالفتح . ونحوه أيضا : جدعت أنفه جدعا فجدع هو جدعا بفتح عين المصدر . وبفتح الراء قرأ ابن عباس والعباس بن الفضل وهي مقوية المصدرية في القراءة المشهورة . وقيل : الأرض بالفتح ليس مصدرا بل هو جمع أرضة ، وعلى هذا يكون من باب إضافة العام إلى الخاص لأن الدابة أعم من الأرضة وغيرها من الدواب .
قوله : " فلما خر " الظاهر أن فاعله ضمير سليمان عليه السلام . وقيل : [ ص: 167 ] عائد على الباب لأن الدابة أكلته فوقع . وقيل : بل أكلت عتبة الباب ، وهي الخارة . ونقل ذلك في التفسير ، وينبغي أن لا يصح ; إذ كان يكون التركيب خرت بتاء التأنيث . و :
3732 - ... ... ... ... أبقل إبقالها
ضرورة أو نادر . وتأويلها بمعنى العود أندر منه .
قوله : " تبينت " العامة على بنائه للفاعل مسندا للجن . وفيه تأويلات ، أحدها : أنه على حذف مضاف تقديره : تبين أمر الجن أي : ظهر وبان . و " تبين " يأتي بمعنى بان لازما ، كقوله :
3733 - تبين لي أن القماءة ذلة وأن أعزاء الرجال طيالها
فلما حذف المضاف ، وأقيم المضاف إليه مقامه ، وكان مما يجوز تأنيث فعله ، ألحقت علامة التأنيث .
وقوله : أن لو كانوا بتأويل المصدر مرفوعا بدلا من الجن . والمعنى : ظهر كونهم لو علموا الغيب لما لبثوا في العذاب أي : ظهر جهلهم . الثاني : أن " تبين " بمعنى بان وظهر أيضا . و " الجن " فاعل . ولا حاجة إلى حذف مضاف و أن لو كانوا بدل كما تقدم تحريره . والمعنى : ظهر للجن جهلهم للناس ; لأنهم كانوا يوهمون الناس بذلك ، كقولك : بان زيد جهله .
الثالث : أن " تبين " هنا متعد بمعنى أدرك وعلم ، وحينئذ يكون المراد بالجن ضعفتهم ، وبالضمير [ ص: 168 ] في " كانوا " كبارهم ومردتهم ، و أن لو كانوا مفعول به ، وذلك أن المردة والرؤساء من الجن كانوا يوهمون ضعفاءهم أنهم يعلمون الغيب . فلما خر سليمان عليه السلام ميتا ، مكثوا بعده عاما في العمل ، تبينت السفلة من الجن أن الرؤساء منهم لو كانوا يعلمون الغيب كما ادعوا ما مكثوا في العذاب . ومن مجيء " تبين " متعديا بمعنى أدرك قوله :
3734 - أفاطم إني ميت فتبيني ولا تجزعي كل الأنام يموت
أي : تبيني ذلك .
وفي كتاب ما يقتضي أن بعضهم قرأ " الجن " بالنصب ، وهي واضحة أي : تبينت الإنس الجن . و أبي جعفر أن لو كانوا بدل أيضا من " الجن " . وقرأ ابن عباس " تبينت الجن " على البناء للمفعول ، وهي مؤيدة لما نقله ويعقوب . وفي الآية قراءات كثيرة أضربت عنها لمخالفتها السواد . النحاس
و " أن " في أن لو كانوا الظاهر أنها مصدرية مخففة من الثقيلة ، واسمها ضمير الشأن . و " لو " فاصلة بينها وبين خبرها الفعلي . وقد تقدم تحقيق ذلك كقوله : وأن لو استقاموا ، أن لو نشاء أصبناهم .
وقال : " وذهب ابن عطية إلى أن " أن " لا موضع لها من [ ص: 169 ] الإعراب ، إنما هي مؤذنة بجواب ما ينزل منزلة القسم من الفعل الذي معناه التحقيق واليقين ; لأن هذه الأفعال التي هي : تحققت وتيقنت وعلمت ونحوها تحل محل القسم ، فـ " سيبويه ما لبثوا " جواب القسم لا جواب " لو " ، وعلى الأقوال الأول يكون جوابها " . قلت : وظاهر هذا أنها زائدة لأنهم نصوا على اطراد زيادتها قبل " لو " في حيز القسم . وللناس خلاف : هل الجواب للواو أو للقسم ؟ والذي يقتضيه القياس أن يجاب أسبقهما كما في اجتماعه مع الشرط الصريح ما لم يتقدمهما ذو خبر ، كما تقدم بيانه . وتقدم الكلام والقراءات في سبأ في سورة النمل .