الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 97 ] وفي الرقيق قيمته وإن زادت ، في الجنين ، وإن علقة : [ ص: 98 ] عشر أمه ، ولو أمة نقدا ، أو غرة عبد أو وليدة تساويه ، [ ص: 99 - 100 ] والأمة من سيدها ، والنصرانية من العبد المسلم : كالحرة إن زايلها [ ص: 101 ] كله حية ، إلا أن يحيا : فالدية إن أقسموا ولو مات عاجلا

التالي السابق


( وفي ) قتل ( الرقيق ) خطأ مطلقا أو عمدا من حر مسلم ( قيمته ) أي الرقيق في مال قاتله إن كان حرا ورقبته إن كان رقيقا إن لم تزد عن دية الحر ، بل ( وإن زادت ) قيمته على دية الحر المسلم لأنه مال ومن أتلف مالا مقوما فعليه قيمته بالغة ما بلغت اتفاقا ، ويقوم قنا ولو أم ولد أو مبعضا أو معتقا لأجل أو مكاتبا ، وتؤولت على اعتبار قيمته مكاتبا . ابن عرفة فيها مع غيرها في كل ذي رق قيمته ولو زادت على أكبر دية ( و ) في التسبب في إلقاء ( الجنين ) لمرأة إن لم يكن علقة ، بل ( وإن ) كان ( علقة ) أي دما مجتمعا إذا صب عليه ماء حار لا يذوب سمي به لاتصال بعضه ببعض . البناني هذا الحمل صحيح موافق للغة ، ففي الصحاح العلق الدم الغليظ والقطعة منه علقة وهو ظاهر التهذيب ، وبه يجري المصنف على قول ابن القاسم أن الدم المجتمع حمل .

وظاهر كلام الأمهات واللخمي والمتيطي وابن عرفة أن الدم المجتمع ليس علقة ونص التهذيب وإن ضربت امرأة عمدا أو خطأ فألقت جنينها ، فإن علم أنه حمل وإن كان مضغة أو علقة أو مصورا ذكرا أو أنثى ففيه غرة بغير قسامة في مال الجاني ولا تحملها العاقلة ولا شيء فيه حتى يزايل بطنها ونص الأمهات قال الإمام مالك رضي الله عنه إذا ألقته وعلم أنه حمل ، فإن كان مضغة أو دما ففيه الغرة ، وتنقضي به العدة وتكون الأمة به أم ولد . ا هـ . ومثله في المدونة والمجموعة . [ ص: 98 ]

وقال اللخمي إذا كان دما متجمعا فنقل عن مالك ما له في المدونة وقال أشهب لا شيء فيه إذا كان دما بخلاف كونه علقة . ابن مرزوق انظر ما الفرق بين العلقة والدم كما يظهر من لفظ الأم أن بينهما فرقا ، ولعل صاحب التهذيب رآهما شيئا واحدا فاقتصر على لفظ العلقة وتبعه المصنف فلا عهدة عليه ، وعلى الفرق بينهما أجرى المتيطي ، ونصه والغرة تجب في الجنين ذكرا كان أو أنثى طرح علقة أو مضغة أو تام الخلق إلا أنه لم يستهل ، فأما إن كان دما مجتمعا فقال في المدونة في الغرة . وقال أشهب لا شيء فيه إذا كان دما ، بخلاف كونه علقة .

( عشر ) واجب ( قتل أمه ) أي الجنين ذكرا كان أو أنثى ، عمدا كان أو خطأ بضرب أو تخويف أو تشميم ، وشهدت البينة أنها من منذ خوفت أو شممت لزمت الفراش إلى أن أسقطت جنينها وتشهد على الإسقاط إن كانت حرة ، بل ( ولو ) كانت ( أمة ) وأشار بلو لقول ابن وهب في جنين الأمة ما نقصها لأنها مال فهي كسائر الحيوان حال كون العشر ( نقدا ) أي دنانير أو دراهم حالة في مال الجاني الحر ورقبة العبد فلا يؤخذ من الإبل قاله ابن القاسم . وقال أشهب يؤخذ منها إلا أن تبلغ ثلث دية الجاني ، فعلى عاقلته لقولها إن ضرب مجوسي بطن مسلمة خطأ فألقت جنينا ميتا حملته عاقلة الضارب ، وفي ثالث حجها لو ضرب بطن امرأة خطأ فألقت جنينا ميتا ثم ماتت بعده ، ففي الجنين عشر أمه ، وفيها دية كاملة ، وتحمل العاقلة ذلك كله . أبو الحسن لأنها ضربة واحدة وإن كانت الغرة لا تحملها العاقلة لكنها لما انضمت إلى الدية كان لها حكمها .

( أو ) في الجنين ( غرة ) بضم الغين المعجمة وشد الراء ، وبينها بقوله ( عبد ) يساوي عشر واجب أمه ( أو وليدة ) أي أمة ( تساويه ) أي قيمة الوليدة عشر واجب الأم من غير تحديد بسن ولا بياض ، ولا بكونها من الخيار ، والأحسن أو الحمر . وظاهر كلام المصنف أن الخيار للجاني بين النقد والرقبة . اللخمي وهو مقتضى قول مالك وابن القاسم وأشهب ، ومر عليه هنا مع قوله في توضيحه أن مذهب المدونة خلافه . ابن عبد السلام [ ص: 99 ] الذي في المدونة إذا بذل الجاني عبدا أو وليدة أجبروا على أخذه إن ساوى خمسين دينارا أو ستمائة درهم ، وإن ساوى أقل منها فلا يجبرون . ابن عبد السلام فانظر كلامها كيف هو بعيد عن التخيير . خليل لم ينص على الجبر إلا في العبد أو الوليدة . ابن عرفة الغرة دية الجنين الحر المسلم يلقى غير مستهل بفعل آدمي ، ثم قال وفيها الذكر والأنثى سواء . الباجي إن لم يستهل صارخا ، وفيها سواء ضربت أمه عمدا أو خطأ . وفي كونها في الجاني أو على عاقلته روايتان لها وللخمي عن أبي الفرج .

ابن عبد السلام لم أرى لأصحابنا في سن الغرة حدا . وقال الشافعي رضي الله عنه أقله سبع سنين . ابن عرفة أبو عمر بعضهم أقل سن الغرة سبع سنين لأنه لا يفرق بينها وبين أمها دون هذا السن ، وهو أحد قولي الشافعي رضي الله عنه ، قيل للرقبة غرة لأنها غرة أموالهم أي أفضلها . عياض الغرة لغة النسمة عبدا كانت أو وليدة من غرة الوجه ، كما تسمى ناصية ورأسا وقد تكون من الحسن ، وعند العرب الغرة أحسن ما يملك . أبو عمران هي الأبيض ولذلك سميت غرة فلا يقبل فيها الأسود والتخيير في جنين الحرة ، وأما جنين الأمة فيتعين فيه النقد إلا إذا كان من سيدها الحر ، وظاهر كلامه كابن الحاجب أن التخيير للجاني لا لمستحقها ، وهو أرفق لقول اللخمي الذي يقتضيه قول مالك وابن القاسم وأشهب رضي الله تعالى عنهم أن الجاني مخير في غرم الغرة أو عشر دية الأم من كسبه ، فإن كان من أهل الدنانير فخمسون دينارا وإن كان من أهل الورق فستمائة درهم ، وإذا دفع العبد أو الوليدة جبر الورثة على قبوله ، وإذا دفع النقد فكلام المدونة يحتمل جبرهم على قبوله وعدمه ، والغرة تجب حتى على الأب والأم ، ولا فرق بين ضرب الجنين وغيره مما يسقطه كشم رائحة ، فإذا شمت المرأة رائحة طعام الجيران فطلبت منه قدرا يسيرا لتأكله فمنعوها ذلك فأسقطت جنينها ضمنوا غرته في مالهم ، وإن وجب عليهم ثلث الدية فعلى عاقلتهم ، وكذا إذا علموا حالها ولم تطلب لأن الحياء يمنعها من الطلب وكذا لو دخل أعوان الظلمة على حامل ففزعت منهم وأسقطت جنينها وثبت الفزع ومشاهدة [ ص: 100 ] المرأة ذلك واتصال مرضها من ذلك الوقت إلى إسقاطها ، وشهد امرأتان بإسقاطها زاد سحنون وربيعة ورجل برؤية الجنين .

( تنبيهان )

الأول : عشر الدية إنما يكون ذهبا أو ورقا ويكون حالا ولا يكون من الإبل ، وإن كانوا من أهلها خلافا لأشهب . ابن الحاجب ابن القاسم لا تؤخذ الإبل ، وقال أشهب يؤخذ من أهلها خمس فرائض . ضيح في المدونة لأنه قد قضى النبي صلى الله عليه وسلم بالغرة والناس يومئذ أهل إبل ، وإنما تقويمها بالنقدين أمر مستحسن واختار محمد وغيره قول أشهب .

الثاني : العشر أو الغرة من مال الجاني في العمد والخطأ إلا أن يبلغ ثلث دية الجاني كمثال المدونة ، أو ثلث دية المجني عليها ، كما إذا تعدد الجنين بقدر الثلث ، فعلى عاقلته منجما .

( والأمة ) جنينها ( من سيدها ) الحر المسلم أو الكتابي أو المجوسي كجنين الحرة في أن فيه عشر دية الحرة المسلمة إن كان السيد مسلما ، والكتابية إن كان كتابيا ، والمجوسية إن كان مجوسيا ، أو غرة عبد أو وليدة تساويه لأنه حر ، ومفهوم من سيدها أنه لو كان من زوج أو زنا لكان فيه عشر قيمة أمه لا غير لأنه رقيق لسيد أمه ( والنصرانية ) أو اليهودية الحرة جنينها ( من ) زوجها ( العبد المسلم ك ) جنين ( الحرة ) المسلمة في أن فيه عشر دية الحرة المسلمة أو غرة عبد أو وليد تساويه لأنه مسلم تبعا لأبيه حر تبعا لأمه ، ومفهوم المسلم أن جنينها من غير المسلم حرا كان أو عبدا فيه عشر ديتها لأنه حر تبعا لها وأبواه كافران ، فهو محكوم بكفره تبعا لهما . ابن عرفة فيها في جنين أم الولد من سيدها ما في جنين الحرة وكذا جنين النصرانية من زوجها العبد المسلم . اللخمي ولأشهب فيه عشر دية أمه ولو كان زوج النصرانية مجوسيا ففيه قولان هل فيه أربعون درهما على حكم الأب ، أو عشر دية أمه .

وبين شرط كون الجنين فيه عشر واجب أمه أو غرة بقوله ( إن زايلها ) أي انفصل [ ص: 101 ] الجنين كله عن أمه حال كونها ( حية ) فلو ماتت قبل خروجه أو بعد خروج بعضه وقبل خروج باقيه فلا شيء فيه على المشهور ، واستثنى من قوله وفي الجنين عشر أمه فقال ( إلا أن يحيى ) أي يخرج الجنين من أمه حيا حياة محققة بأن يستهل صارخا مثلا ثم يموت ( ف ) فيه ( الدية ) الكاملة له ( إن أقسموا ) أي أولياؤه أن موته من فعل الجاني إن تراخى موته عن خروجه ، بل ( ولو مات عاجلا ) عند ابن القاسم . وأشار بلو لقول أشهب لا يقسمون إن مات عاجلا واستحسنه اللخمي ، وحجة ابن القاسم أن موته فورا لا يعين كونه من الجناية ، بل يحتمل أنه بسبب آخر طرأ لأنه لشدة ضعفه يتأثر بأدنى الأسباب




الخدمات العلمية