الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وضم متحد [ ص: 133 ] الفعل ، أو في حكمه ، أو المحل [ ص: 134 ] في الأصابع لا الأسنان ، [ ص: 135 ] والمواضح ; والمناقل ، وعمد لخطأ ، وإن عفت

التالي السابق


( وضم ) بضم الضاد المعجمة وشد الميم ( متحد ) بضم الميم وفتح الفوقية وكسر الحاء [ ص: 133 ] المهملة مضاف إلى ( الفعل ) إضافة ما كان صفة إلى ما كان موصوفا أي الجراحات الناشئة عن الفعل الواحد كضربة واحدة في يد أو في رجل أو في يدين أو في رجلين أو في يد ورجل قطعت أصبعين أو ثلاثا ، ففي كل أصبع عشر ، ولو قطعت أربعا ففي كل أصبع خمس ( أو ) ما في ( حكمه ) أي المتحد كضربات في فور واحد أي آثار الأفعال المتوالية وسواء الأصابع والأسنان والمواضح والمناقل ، وسواء اتحد المحل أو تعدد ، وسواء كان الأثر الناشئ عن الثاني مثل أثر الأول أم لا ، كضربها على رأسها ويدها عليه فقطع لها أصبعا وشجه منقلة فترجع فيهما لعقلها . في التوضيح ضابطه اتحاد المحل أو الضرب ، وفائدته ردها لديتها إذا بلغت ثلث دية الرجل ( أو ) متحد ( المحل ) كضربات في يد أو رجل قطعت أصابعها ، فإن كانت ثلاثا ففي كل أصبع عشر ، وإن كانت أربعا ففي كل أصبع خمس ، وتعتبر أصابع كل يد وحدها ، وكذا أصابع الرجلين لأن كل يد محل وكل رجل محل .

ابن عرفة وفيها وجوب ضم قطع أصابعها بعضها لبعض باتحاد يدها أو فور ضربها وإلا فلا ، وحيث يجب مما بلغ به عقلها ثلث عقل الرجل رجعت لعقلها ، وما لا يبلغه فلها فيه عقله وما يضم اعتبر كأنه أول . ابن زرقون في ضمها بذلك وقصره على فور واحد ما لم تكن رجعت لعقلها ، ثالثها ولو رجعت لها ولعبد العزيز بن سلمة مع رواية المغيرة وابنه عبد الملك مع الصقلي عن ابن وهب ، وعزاه اللخمي لابن نافع بدل ابن وهب ، ورجحه ابن الحاجب ، وحيث اتحد الفعل أو كان في حكمه فلا يعتبر اتحاد المحل كضربة واحدة تبين أصابع من يدين فحكمهما حكم اليد ، فلو قطع لها بعده أصبع فلا يضم ، بل تأخذ له عشرا إن كان ثانيا أو ثالثا ، وخمسا إن كان رابعا أو خامسا كما لو كان في كل يد على حيالها لها فقبله ابن هارون .

وقال ابن عبد السلام بعد أن قرر مدلول مذهب المدونة لكن هذا المعنى لا ينطبق عليه قول المصنف لو قطع لها بعده أصبع فلا يضم ، بل تأخذ له عشرا إن كان ثانيا أو [ ص: 134 ] ثالثا ، وخمسا إن كان رابعا أو خامسا كما لو كان في يد ، فإن عدم الضم مناف لوجوب خمس في الأصبع الرابعة أو الخامسة ، ويرد بأن مراده بقوله لا يضم إلى ما بان من أصابع اليدين معا ، وقوله خمسا إن كان رابعا أو خامسا ليس مسببا عن عدم الضم ، بل عن اتحاد المحل ، ولذا بينه بقوله كما لو كان في كل يد على حيالها . وقول ابن الحاجب وقيل لا يضم شيء إلى ما قبله فيهما قيل ضمير فيهما عائد على الأيدي والأرجل ، وقيل إلى اتحاد الفعل ، وحكمه لا يشترط في ضم الأصابع باتحاد الضربة كون ضمها لمثلها ، بل لو كان لغير مثلها فكذلك لنقل الشيخ عن الموازية لو ضربت ويدها على رأسها فقطع لها أصبعان وشجت منقلة رجعت في ذلك لعقلها ، وفيها كذا رجلاها على ما فسرنا في اليدين .

( في الأصابع ) كما تقدم ( لا ) في ( الأسنان ) فلا يضم بعضها البعض بل في كل سن خمس من الإبل كان ذلك في ضربة أو ضربات على المشهور لاتحاد المحل ، هذا أحد قولي ابن القاسم قاله تت . طفي قوله في ضربة أو ضربات فيه نظر ، إذ ما في ضربة أو حكمها يضم مطلقا اتحد المحل أم لا ، ماثلة أم لا كما لو ضربت ويدها على رأسها فقطع لها أصبعان وشجت منقلة رجعت فيه لعقلها ذكره ابن عرفة وغيره . وقد قال في التوضيح ضابط هذا أنك تضم إذا اتحد المحل ، وإن تعدد الضرب ، وكذا تضم إذا اتحد الضرب ، وإن تعدد المحل وهو نفس كلامه في مختصره ، ولا سلف لتت فيما قاله فيما علمت ، وقرره عج وغيره على الصواب .

ابن يونس ابن المواز اختلف قول ابن القاسم في الأسنان فجعلها مرة كالأصابع تحاسب بما تقدم إلى ثلث الدية . أصبغ وقوله الأول في كل سن خمس من الإبل ولا تحاسب بما تقدم وإن أتى على جميع الأسنان ما لم يكن في ضربة واحدة ، بخلاف الأصابع ، وإلى هذا رجع ابن القاسم وهو أحب إلي . محمد الأسنان عنده كالرأس يصاب بمواضع أو بمناقل فلا يجمع عليها إلا ما كان في ضربة . ابن يونس وكذلك لو كان في فور واحد . ابن عرفة محمد [ ص: 135 ] تضم الأسنان باتحاد الضربة ، وفي ضمها باتحاد محلها قولا ابن القاسم . أصبغ وعدم الضم أحب إلي ، واختاره محمد .

الشيخ لابن القاسم في المجموعة لا تضم المواضح والمناقل إلا لكونها في فور واحد ولو كانت المنقلة الثانية في موضع الأولى بعد برئها ، قلت هو قولها أيضا الشيخ عن أشهب الفور الواحد يضمها كالسارق ينقل من الحرز قليلا قليلا في فور واحد لضعفه أو لئلا يقطع هي سرقة واحدة ا هـ .

( و ) لا تضم ( المواضح ) بفتح الميم جمع موضحة التي في الرأس أو الجسد إلا بفعل واحد أو أفعال في فور واحد ( و ) لا تضم ( المناقل ) بفتح الميم جمع منقلة إلا بفعل واحد أو أفعال في فور ، فلو أوضحت موضحتين خطأ وأخذت عقلهما ثم أوضحت مواضح أخر فلها عقلها كالرجل ما لم تبلغ في المرة الواحدة ثلث ديته .

وحاصل ما مر أن أثر الفعل المتحد والأفعال التي في فور واحد يضم في الأصابع والأسنان والمواضح والمناقل ، وأما آثار الأفعال المتراخية فتضم في الأصابع إن اتحد محلها ، ولا تضم في الأسنان والمواضح والمناقل ، فقوله في الأصابع راجع لقوله أو المحل ولو قال كالمحل لكان أحسن ليعلم أن قوله في الأصابع لا الأسنان ، والمواضح والمناقل راجع لما بعد الكاف كما هي قاعدته الأكثرية .

( و ) لا يضم ( عمد لخطأ ) كما لو قطعت لها ثلاث عمدا ثم ثلاث خطأ فلها في كل أصبع عشر إن اقتضت من العمد ، بل ( وإن عفت ) عن العمد وسواء اتحد المحل أو تعدد ولو كان العمد والخطأ في فور واحد . ابن عرفة فيها لا يضم الخطأ إلى عمد اقتصت أو عفت . ابن القاسم لو قطع لها أصبعان عمدا فاقتصت أو عفت ثم قطع من تلك الكف أصبعان أيضا خطأ فلها فيهما عشرون بعيرا : وإنما يضاف بعض الأصابع إلى بعض في الخطأ . ابن رشد هذا قول ابن القاسم وروايته لم يختلف في ذلك قوله ، وعن أشهب يحسب عليها من أصابعها ما أصيبت به عمدا ، وقاله سحنون وأبو إسحاق البرقي . [ ص: 136 ]

اللخمي إن صالحت عن كل أصبع بأقل من خمس فلا يضم ، وإن صالحت عن كل أصبع بخمس إلى عشر عاد الخلاف المتقدم من قول مالك وابن نافع وعبد الملك رضي الله تعالى عنهم .




الخدمات العلمية