الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وإن انفصلت بغاة [ ص: 176 ] عن قتلى ، ولم يعلم القاتل ; فهل لا قسامة ولا قود مطلقا ؟ أو إن تجرد عن تدمية وشاهد ؟ أو عن الشاهد فقط ؟ تأويلات . [ ص: 177 ] وإن تأولوا : فهدر : [ ص: 178 ] كزاحفة على دافعة

التالي السابق


( وإن ) اقتتلت طائفتان من المسلمين لغارة أو عداوة بينهم ( وانفصلت بغاة ) بضم الموحدة وإعجام الغين جمع باغ ، أي متعد على غيره خارج عن طاعة الإمام العدل أو لا [ ص: 176 ] عن قتلى ) بفتح القاف واللام وسكون التاء ، جمع قتيل من الطائفتين أو من غيرهما ( ولم يعلم ) بضم التحتية وفتح اللام ( القاتل ) من الفريقين ( فهل لا قسامة ) فيهم ( ولا قود ) أي قصاص وفيهم الدية على الفئة المنازعة وإن كانوا من الفريقين فديتهم عليهما ، هذا هو الذي حمل عليه عياض والأبي قولها لا قسامة ولا قود ، وهذا للإمام مالك في المدونة رضي الله تعالى عنه وأبقاه بعضهم على ظاهره ( مطلقا ) عن تقييده بعدم قول القتلى دمنا عند فلان ، وعدم قيام شاهد بالقتل على معين .

( أو ) لا قسامة ولا قود ( إن تجرد ) القتل ( عن تدمية ) من القتلى ، أي قولهم دمنا عند فلان أو قتلنا فلان ( و ) تجرد أيضا ( عن شاهد ) على معين بالقتل ، فإن وجدت تدمية أو شاهد بالقتل فالقسامة والقصاص ، وبهذا فسر ابن القاسم قول الإمام مالك رضي الله تعالى عنهما ، وبه قال جماعة من أصحابه رضي الله تعالى عنهم ، وقيد في البيان الشاهد بكونه من إحدى الطائفتين ، فإن كان أجنبيا منهما فلوث بلا خلاف ، كذا في ابن عرفة والتوضيح ، والخلاف مقيد أيضا باتحاد الشاهد كما يدل عليه كلام المصنف ، فإن شهد عدلان فالقود بلا خلاف .

( أو ) لا قسامة ولا قود إن تجرد القتل ( عن الشاهد فقط ) أي لا يشترط تجرده عن التدمية فيهدر دمه ، لو قال دمي عند فلان لأنه كان عازما على قتله فلا يستنكر كذبه عليه ليقتل بعده ، وتأولها بعضهم بهذا في الجواب ( تأويلات ) ومفهوم ولم يعلم القاتل أنه لو علم ببينة أو إقرار فإنه يقتص منه وهو كذلك قاله الإمام مالك رضي الله تعالى عنه ، وهو في المدونة ، وصدر ابن الحاجب بما في الموطإ من أن العقل على كل فرقة لقتلى الأخرى وإن لم يكن منهما فعقله عليهما في أموالهما . المصنف وهو أظهر لأن الغالب أن قتلى كل طائفة من مقابلتها وإن كان من غيرهما فيحتمل أن قتله من الطائفتين [ ص: 177 ] معا ويحتمل من إحداهما بلا مرجح ، وهذا إذا لم يعلم القاتل ببينة أو إقرار وإلا فيقتص منه .

ابن عرفة فيها ليس فيمن قتل بين الصفين قسامة . الجلاب إن اقتتلت طائفتان ثم افترقتا عن قتيل ففيها روايتان إحداهما لا قود فيه وديته على الفئة التي نازعته إن كان من الفئة الأخرى ، وإن كان من غيرهما فديته عليهما معا ، والرواية الأخرى أن وجوده بينهما لوث يوجب القسامة لولاته فيقسمون على من ادعوا قتله عليه ، ويقتلونه به . ولابن رشد قيل لا قسامة فيمن قتل بين الصفين أنه لا قسامة فيه بحال لا بقول المقتول ولا بشاهد على القتل ، وهي رواية سحنون عن ابن القاسم . وقيل معناه لا قسامة بينهم بدعوى أولياء القتيل على الطائفة التي نازعته ولو دمى القتيل على أحد أو شهد عليه بالقتل شاهد واحد وجبت بذلك القسامة ، وهو سماع عيسى ابن القاسم ، وقول الأخوين وأصبغ وقول أشهب لأن كونه بين الصفين لم يزد دعواه إلا قوة .

ابن المواز وإليه رجع ابن القاسم بعد قوله لا قسامة فيمن قتل بين الصفين بدعوى المقتول ولا بشاهد ، ويحتمل أن يريد بقوله ولا بشاهد إذا كان الشاهد من طائفة المدعي لأنه لا يجيز شهادة أحد من إحدى الطائفتين على أحد من الأخرى ، ثم قال وأما مع شاهد من طائفة القاتل فيجري على الخلاف في القسامة بشاهد غير عدل ، وأما مع شاهد من طائفة المقتول فلا إشكال في عدم القسامة معه ، وقد قال محمد قول ابن القاسم لا قسامة فيمن قتل بين الصفين بقول المقتول ولا بشاهد على القتل خطأ لحمله على ظاهره ، وإن كان الشاهد من غير الطائفتين ، وتأويل قوله أولى من تخطئته . الباجي إن كان القتيل من غير الطائفتين أو لم يعرف من أيهما هو فعقله في أموالهما ورواه محمد

( وإن تأولوا ) أي المتقاتلون من المسلمين في القدوم على تقاتلهم تأويلا يقتضي جواز تقاتلهم بزعمهم ( ف ) القتلى والجرحى ( هدر ) أي لا قصاص فيهم ولا دية ، وفهم من قوله تأولوا أنه لو كانت إحداهما باغية والأخرى متأولة لكان دم الباغية هدرا والمتأولة قصاصا وهو كذلك قاله اللخمي . ابن عرفة من رسم الجواب من سماع عيسى قيل له ، [ ص: 178 ] فإن كان القتيل الذي وجد بين الصفين إنما كانوا قوما يقاتلون على تأويل ، قال فليس على الذين قتلوه قتل وإن عرفوا ولا دية وليس أهل التأويل كغيرهم . ابن رشد مثله في الأثر من كتاب الجهاد من المدونة من قول ابن شهاب ، ومثله روى الأخوان ، ومن أهل العلم من رأى أنه يقاد منه ويقتص منه وهو قول أصبغ وعطاء ، والخلاف في القصاص منه سواء تاب أو أخذ قبل توبته ولا يقام عليه حد الحرابة وإن أخذ قبل أن يتوب ولا يؤخذ عنه ما أخذ من مال وإن كان موسرا إلا أن يوجد شيء بعينه بيده فيرد إلى ربه .

وشبه في الهدر فقال ( ك ) قتلى طائفة ( زاحفة ) أي متعدية وماشية لقتال غيرها بغيا بلا تأويل ( على ) طائفة ( دافعة ) عن أنفسها وحريمها وأموالها فقتلى الزاحفة هدر إن لم يمكن دفعها بغير القتل كالمناشدة والرفع للحاكم وإلا ففيها القصاص وقتلى الدافعة فيها القصاص ، وإن كان القاتل والمقتول من طائفة واحدة وقتل أحدهما الآخر غلطا فالدية على عاقلة القاتل لأنه خطأ قاله اللخمي . ابن عرفة لو مشت إحدى الطائفتين إلى الأخرى بالسلاح إلى منازلهم فقاتلوهم ضمنت كل فرقة ما أصابت من الأخرى رواه محمد وابن عبدوس ، قال ولا تبطل دماء الزاحفة لأن المزحوف عليهم لو شاءوا لم يقتلوهم واستردوا للسلطان . قال غيره في المجموعة هذا إن أمكن السلطان أن يحجز بينهم ، فإن عاجلوهم ناشدوهم الله تعالى ، فإن أبوا فالسيف ونحوه في المدونة




الخدمات العلمية