الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 202 ] وكره للرجل : قتل أبيه ، وورثه ، ولم يضمن متأول أتلف نفسا أو مالا ، [ ص: 203 ] ومضى حكم قاضيه ، وحد أقامه ، ورد ذمي معه لذمته ،

التالي السابق


( وكره ) بضم فكسر ( للرجل ) المعين للإمام على قتال البغاة ( قتل أبيه ) الباغي عمدا مبارزة أو غيرها وفهم كراهة قتله أمه بالأولى ، وأنه لا يكره له قتل أخيه ولا عمه ولا جده لأبيه ولا لأمه وهو كذلك .

( و ) من قتل أباه أو أخاه الباغي ( ورثه ) لأنه ليس عدوانا أي الولد القاتل والده المقتول . ابن عرفة الشيخ عن كتاب ابن سحنون لا بأس أن يقتل الرجل في قتالهم أخاه وقرابته مبارزة وغير مبارزة ، فأما الأب وحده فلا أحب قتله تعمدا وكذا الأب الكافر مثل الخارجي . وقال أصبغ يقتل فيها أباه وأخاه ( ولم ) الأولى لا ( يضمن ) باغ ( متأول ) بضم الميم وفتح التاء والهمز وكسر الواو مثقلة ، أي معتقد حقية خروجه لشبهة قامت عنده ( أتلف ) حال خروجه ( نفسا ) معصومة ( أو مالا ) كذلك تنازع فيهما يضمن ، وأتلف ترغيبا له في الرجوع إلى الحق ولأن الصحابة " رضي الله عنهم " عنهم أهدرت الدماء التي كانت في حروبهم ، فإن بقي المال بعينه في يده وجب عليه رده لمستحقه وغير المتأول يأثم ويضمن النفس والمال والطرف والفرج فيقتص منه ويغرم عوض المال إن أتلفه وإلا رده بعينه كما ذكره الشارح وغيره .

ابن عرفة الشيخ عن ابن حبيب عن ابن الماجشون وأصبغ إذا وضعت الحرب أوزارها فإن كان أهل البغي ممن خرج على تأويل القرآن كالخوارج وضعت عنهم الدماء وكل ما أصابوه إلا ما وجد من مال يعرف بعينه فيأخذه ربه . ابن حارث كذا قال الإمام مالك وأصحابه جميعا " رضي الله عنهم " فيما علمت إلا أصبغ ، فإن ابن حبيب ذكر عنه أنه إنما يطرح [ ص: 203 ] عنهم الإمام فقط ، وحق الوالي في القصاص قائم عليه يقتل بمن قتل ولم يقله غيره من أصحاب مالك " رضي الله عنه " الشيخ عمن ذكر أولا . وأما أهل العصبية وأهل الخلاف بلا تأويل ، فالحكم فيهم القصاص ورد المال قائما كان أو فائتا ، وفي آخر جهادها والخوارج إذا خرجوا فأصابوا الدماء والأموال ثم تابوا ورجعوا وضعت الدماء عنهم ويؤخذ منهم ما وجد بأيديهم من مال بعينه وما استهلكوه فلا يتبعون به وإن كانوا أملياء لأنهم متأولون بخلاف المحاربين فلا يوضع عنهم من حقوق الناس شيء .

( و ) إن ولى المتأول قاضيا وحكم بأحكام أو أقام حدا على مستحقه نحو شارب وزان وسارق ثم رجع للحق ودخل تحت طاعة الإمام طائعا أو مكرها ( مضى حكم قاضيه ) أي المتأول الذي ولاه وحكم به حال خروجه ( و ) مضى ( حد ) شرعي نحو قذف ( أقامه ) أي المتأول الحد عن عبد الملك للضرورة ولشبهة التأويل ولئلا يزهد الناس في قبول توليته فتضيع الحقوق . وقال ابن القاسم ترد أحكامه لعدم صحة توليته . ابن عرفة ابن شاس إن ولى البغاة قاضيا أو أخذوا الزكاة أو أقاموا حدا فقال الأخوان ينفذ ذلك كله ، وقال ابن القاسم لا يجوز ذلك كله بحال ، وعن أصبغ القولان ونحوه لابن الحاجب .

ابن عبد السلام ظاهر المذهب إمضاء ذلك ، ونص في المدونة على إجزاء ما أخذوه من الزكاة . قلت للشيخ في ترجمة عزل القضاة والنظر في أحكامهم . ابن حبيب ومطرف في أحكام الخوارج لا تنفذ حتى يثبت أصل الحق ببينة فيحكم به ، فأما أحكام مجهولة وذكروا شهادة أهل العدل عندهم ذكروا أسماءهم أو لم يذكروها فهي مردودة . وقال أصبغ عن ابن القاسم مثله أصبغ أرى أقضيتهم كقضاة السوء . ابن حبيب قول ابن القاسم ومطرف أحب إلي . وقال الأخوان الرجل يخالف على الإمام ويغلب على بعض الكور ويولي قاضيا فيقضي ثم يظهر عليه أقضيته ماضية إن كان عدلا إلا خطأ لا اختلاف فيه .

( و ) إن خرج ذمي مع المتأول ثم ظهر عليه ( رد ) بضم الراء وشد الدال كافر ( ذمي ) خرج ( معه ) أي المتأول ( لذمته ) التي كان عليها قبل خروجه ويوضع عنه ما يوضع عن [ ص: 204 ] المتأول الذي خرج معه . ابن عرفة الشيخ إن قاتل مع المتأولين أهل الذمة وضع عنهم ما وضع عنهم وردوا إلى ذمتهم ، وإن قاتلوا مع أهل العصبية المخالفين للإمام العدل فهو نقض لعهدهم يوجب استحلالهم ، وإن كان السلطان غير عدل وخافوا جوره واستعانوا بأهل العصبية فلا يكون ذلك نقضا منهم . قلت هذه إن خرجوا مع العصبية طائعين وإن أكرههم لم يكن نفس خروجهم نقضا لصحة تعلق الإكراء به ، فإن قاتلوا معهم كان قتالهم نقضا لعهدهم لامتناع تعلق الإكراء بقتال من لا يحل قتاله .




الخدمات العلمية