الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 597 ] ثم مؤن تجهيزه بالمعروف ثم تقضى ديونه ،

التالي السابق


( و ) يخرج من جميع تركة الميت بعد إخراج المعينات التي تعلقت بها الحقوق لغير الميت ( مؤن ) بضم الميم وفتح الهمز ، أي قيم وأمان ( تجهيزه ) أي الميت من ماء وسدر وأجرة غاسل وكفن وقطن وأجرة حمل وحفر ( بالمعروف ) بين الناس المناسب لتركته قلة أو كثرة . ابن رشد أما الحقوق التي ليست بمعينات فأوكدها وأولاها بالتبدئة من رأس المال الكفن وتجهيز الميت . ابن عرفة عقب ما تقدم عنه وأوله كليا مؤنة إقباره ( ثم تقضى ) بضم الفوقية وسكون القاف وفتح الضاد المعجمة ( ديونه ) أي الميت التي عليه للناس من باقي تركته ، ولو أتى على جميعه .

ابن رشد عقب ما تقدم عنه ثم حقوق الآدميين من الديون الثابتة بالبينة أو بإقراره بها في صحته أو في مرضه لمن لا يتهم عليه ، ثم حقوق الله تعالى من الزكوات والكفارات والنذور إذا أشهد على نفسه في صحته بوجوبها عليه في ذمته وزكاة الماشية إذا مات عند حلولها ، وليس فيها السن الذي يجب فيها . ابن عرفة عقب ما تقدم عنه ثم دين لآدمي ثم ما أشهد في صحته بوجوبه عليه لله تعالى من زكاة أو كفارة ابن رشد أو نذر . قلت للباجي عن عبد الحق وبعض شيوخه نذر الصحة في الثلث ، فلعل الأول في الملتزم ، والثاني في الموصى به وإلا تناقضا ، ويقدم منها في ضيق التركة المقدم منها في ضيق الثلث ، وفي كون زكاة عين حلت في مرضه من رأس ماله مطلقا ، أو إن أوصى بها وإلا أمر وارثه بها بلا جبر قولا اللخمي مع أشهب وابن القاسم ا هـ .

طفي الثاني هو مذهب المدونة وهو المشهور كما تقدم ، وتقدم تعقب قوله إلا أن يعترف بحلولها ، فالحاصل أن حقوق الله تعالى التي ترتبت عليه من كفارة ونذر وزكاة فرط فيها [ ص: 598 ] كانت زكاة ماشية أو حرث أو عين بعد ديون الآدميين إذا أشهد بها ، وأما ما حل في مرضه فزكاة الحب والثمر والماشية إذا كان فيها السن الواجب ، ولم يكن ساع فهي من المعينات المقدمة على الكفن وغيره . وأما زكاة العين فإن علم حلولها من غيره وأوصى بها فتكون من رأس ماله بعد الدين كسائر حقوق الله تعالى ، وإن لم يوص بها فلا تجبر الورثة على إخراجها . ( تنبيهات )

الأول : طفي قولنا في الأضحية بعد الذبح لا النذر وهو المتعين ، إذ المنذورة وإن وجبت بالنذر ليس حكمها كالأضحية المذبوحة وإنما تجب وجوب المنذورات بعد قضاء الديون وتباع فيها كما نص عليه ابن الحاجب وغيره ، وهو المطابق لكون ديون الآدميين تقدم على ديون الله تعالى كالزكاة والنذر . ابن الحاجب وتباع مطلقا على الدين كما يرد العتق والهدي الموضح مراده بالإطلاق سواء أوجبها أم لا ، وهذا ما لم تذبح ، فإن ذبحت فلا تباع .

الثاني : طفي اعتبار المعروف في الكفن في صفته . ابن الحاجب وخشونته ورقته على قدر حاله ، وأما عدده فالأثواب الثلاثة يقضى بها ولا كلام للورثة ولا للغرماء ; لأن الدفن في ثوب واحد مكروه قاله ابن عمر في شرح الرسالة ، وجعله " ح " خلاف المشهور قائلا قدم المصنف أنه لا يقضى بالزائد إن شح الوارث إلا أن يوصي ، ففي ثلثه فاغتر بظاهر كلام المصنف ولم يدر أنه متعقب " ق " في فصل الجنائز ، قوله ولا يقضى بالزائد المشهور خلافه ، وأطال في ذلك ولا عبرة بقول العصنوني المشهور أن الواجب ثوب واحد إلا أن يشاء الورثة أن يزيدوه ، إذ لعله اغتر أيضا بما تقدم ، والله أعلم .

الثالث : الحط قول ابن رشد ثم حقوق الله من الزكاة والكفارات على مراتبها والنذور إذا أشهد على نفسه في صحته بوجوبها عليه في ذمتهمشكل لاقتضائه أن من فرط في زكاة ماله مدة تؤخذ من رأس ماله ، وكذا من أشهد أن في ذمته كفارات أو نذرا أنه يعطي [ ص: 599 ] فلانا كذا وكذا لشيء سماه وعينه ، بل لو أشهد أنه نذر أن يتصدق على المساكين بكذا أو أنه باق في ذمته أنه يؤخذ من رأس ماله ، وقد نص في المدونة وغيرها على أنه إذا نذر أن يتصدق على المساكين بجميع ماله فإنه يؤمر بإخراج ثلثه ولا يجبر عليه ، فإذا لم يجبر عليه في حياته فكيف يؤمر الورثة بإخراجه من رأس ماله .

وفي نوازل البرزلي من قال لله علي صدقة مالي أو ثلثه لفلان فيلزمه ما دام حيا ، فإذا مات بطل لأن الصدقة وجبت باقتراب ، فمن شرطها الحوز قبل الوفاة . وفي النوادر وإن مات بعد الحول فما حل ولم يفرط فيه أو قدم عليه فأمر بإخراجه في مرضه أو أوصى به فهو من رأس ماله قاله مالك رضي الله عنه ، وإن لم يوص فلا تجبر ورثته وأمروا بذلك ، وقال أشهب هي من رأس ماله وإن لم يوص ولم يفرط . وقال أشهب في زكاة الفطر إن مات يوم الفطر أو ليلته ولم يوص فهي من رأس ماله . وقال ابن القاسم لا تجبر ورثته إلا أن يوصي ا هـ كلام " ح " طفي لا حجة له في كلام المدونة ، إذ لا منافاة بين وجوب الشيء والأمر به وعدم الجبر عليه ، فالنذر مأمور بالوفاء به ، ويلزم ويأثم بعدمه وإن كان لا يقضى به ، ففي الجواهر وكيفما تصرفت أحوال النذر فلا يقضى به ا هـ . وفي رسم الأقضية من سماع يحيى التصريح بالتأثيم عند عدم الوفاء وإن كان لا يقضى عليه . ابن رشد في شرحه لا يقضى عليه بالصدقة وإن كان آثما وصرح " ح " نفسه بهذا في باب النذر ، فقوله : فكيف يؤمر الورثة إلخ غير ظاهر ، إذ يتوجه عليهم ما كان متوجها على مورثهم من لزوم الإخراج والتأثيم عند عدمه مع عدم القضاء بذلك وكذا لا حجة في كلام البرزلي إذ كلامه في المعينات وكلام ابن رشد في الديوان والمذهب أن النذر المبهم فيه كفارة يمين وحكمه كاليمين في المشيئة وعدمه فلا يحتاج لحوز ، وعليه يحمل كلام ابن رشد ، وكذا لا حجة له في كلام النوادر ، والله أعلم . لكن قال عياض في إكماله رأي الشافعية إن من مات وعليه حق في ماله من نذر أو يمين أو كفارة يقضى من رأس ماله كالدين ، ورأي المالكية والحنفية أن لا يقضى شيء [ ص: 600 ] من ذلك إلا أن يوصي به فيقضى من الثلث ، وأجاب عج عن استشكال " ح " بفرض النذر محوزا بيد أجنبي وهو معين ، ويحتاج لنقل ، إذ ظاهر كلامهم بطلان ، بالموت مطلقا

.



الخدمات العلمية