الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " وإن أكل عامدا في صوم رمضان فعليه القضاء والعقوبة ، ولا كفارة إلا بالجماع في شهر رمضان " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا كما قال :

                                                                                                                                            لا كفارة على الأكل عامدا في رمضان ، وقال مالك : عليه الكفارة بكل حال .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : إن أفطر بجنس ما يقع به الاغتذاء غالبا لزمته الكفارة ، وإن أفطر بما لا يقع به الاغتذاء كجوزة أو حصاة لزمه القضاء ولا كفارة ، واستدلا بما روى أبو هريرة رضي الله عنه : أن رجلا أفطر فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكفارة وهذا عام في كل فطر ، وبرواية مجاهد عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من أفطر في رمضان فعليه ما على المظاهر " واستدل مالك منفردا به بأن قال : لأنه إفطار بمعصية فوجب أن تتعلق به الكفارة .

                                                                                                                                            أصله : الجماع .

                                                                                                                                            واستدل أبو حنيفة منفردا بأن قال : لأنه إفطار بأعلى ما يقع به هتك حرمة الصوم من جنسه ، فوجب أن تتعلق به الكفارة كالجماع ، والدلالة عليهما في سقوط الكفارة قوله صلى الله عليه وسلم " من استقاء عامدا أفطر " ولم يأمره بالكفارة والمستقيء عامدا كالآكل عامدا ، ولأنه أفطر بما لا يجب الحد بشيء من جنسه فوجب أن لا تلزمه الكفارة كالمستقيء عامدا ، ولأنه أفطر بغير جماع فوجب أن لا تلزمه الكفارة العظمى .

                                                                                                                                            أصله : إذا ابتلع حصاة وهذه على أبي حنيفة ، ولأن كل عبادة منعت من الوطء وغيره فحكم الوطء فيها أعلى ، كالحج لما استوى حكم الوطء ، وغيره في إيجاب الكفارة اختص [ ص: 435 ] الوطء أغلظ الأحكام تغليظا بإفساد الحج فكذلك في الصوم ، لما ساوى الوطء الأكل في إفساد الصوم اقتضى أن يختص الوطء بالكفارة تغليظا دون الأكل ، ولأنها عبادة يتعلق بالوطء فيها كفارة ، فلم يستحق تلك الكفارة بمحظور غير الوطء كالحج ، فأما استدلالهم بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر المفطر بالكفارة ، وهذا مجمل راوية أبي هريرة ، وقد فسره فيما رويناه من قصة الأعرابي ، وأنها واردة في الجماع ، وتفسير الراوي أولى من إجماله ، وأما استدلالهم بقوله : " من أفطر في رمضان فعليه ما على المظاهر " فلا دليل فيه ؛ لأن على المظاهر الاستغفار وإنما تلزمه الكفارة بالعود ، لا بالظهار ، فكان دليل هذا الخبر يوجب على الأكل الاستغفار ، وسقوط الكفارة ، وأما قياس مالك ففاسد بمن استقاء عامدا .

                                                                                                                                            وأما قياس أبي حنيفة ففاسد بالقيء أيضا إذا ملأ الفم ؛ لأنه فرق بين قليله وكثيره ، على أن قوله : " على ما يقع به هتك الحرمة " ، لا تأثير له في الفطر ؛ لأنه لو أفطر بالسهو ما لزمته الكفارة ، وإن لم تكن أعلى المأكول .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية