الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " وأي قوت كان الأغلب على الرجل أدى منه زكاة الفطر كان حنطة أو ذرة أو علسا أو شعيرا أو تمرا أو زبيبا " .

                                                                                                                                            [ ص: 378 ] قال الماوردي : اختلف قول الشافعي في الأقوات المدخرة ، هل هي على الترتيب أو على التخيير ؟ فله فيه قولان :

                                                                                                                                            أحدهما : نص عليه في بعض كتبه أنها على التخيير والمزكي مخير بين جميعها ، فمن أيها أخرج أجزأه ، لما روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه فرض زكاة الفطر صاعا من تمر أو صاعا من شعير فجاء بلفظ التخيير ، ولأن زكاة الفطر مواساة والتخيير فيها أيسر والتسوية بين جميعها أرفق ، فعلى هذا من أي قوت أخرجها أجزأه ، وبعض الأقوات أولى من بعض فالتمر والبر أولى من غيرهما ، وفي أولاهما لأصحابنا وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : أن التمر أولى .

                                                                                                                                            وبه قال من الصحابة ابن عمر ومن الفقهاء مالك وأحمد بن حنبل : لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج ، وعمل أهل المدينة جار به ، وقد روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال الكمأة من المن وفي مائها شفاء للعين ، والعجوة من الخير ، وفيها شفاء من السم .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : وقد مال إليه الشافعي أن البر أولى .

                                                                                                                                            وبه قال من الصحابة علي بن أبي طالب عليه السلام .

                                                                                                                                            ومن الفقهاء إسحاق بن راهويه : لما روي عن علي رضوان الله عليه أنه قال الآن قد أوسع عليكم فأخرجوا البر ، ولأن التمر مجمع عليه على أنه لا يجزئ منه أقل من صاع ، والبر مختلف فيه ، وكان ما اختلفوا فيه هل يجزي أقل من صاع أم لا أولى مما أجمعوا على أنه لا يجزي منه أقل من صاع ، ولو قيل : إن أولاهما مختلف باختلاف البلاد لكان مذهبا ، ولكان له في الاعتبار وجه .

                                                                                                                                            والقول الثاني : في الأقل وهو نص الشافعي هاهنا وفي أكثر الكتب أن ذلك على الترتيب دون التخيير والاعتبار فيه بغالب القوت ، لقوله صلى الله عليه وسلم أغنوهم عن الطلب في هذا اليوم والإغناء يكون بما يكفيه الإنسان من غالب القوت فلو كان المزكي مخيرا فيه ، لجاز أن يعطيه ما ليس بغالب القوت فلا يستغني به ، وإذا أعطاه من غالب القوت صار مستغنيا به ، فعلى هذا هل يعتبر غالب قوت بلده أو غالب قوته في نفسه على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : وهو ظاهر نص الشافعي هاهنا ، وفي " الأم " وبه قال أبو سعيد الإصطخري وأبو عبيد بن حربويه من أصحابنا : إن الاعتبار بغالب قوته في نفسه ، لقوله تعالى : [ ص: 379 ] من أوسط ما تطعمون أهليكم ، [ المائدة : 89 ] ، ولأنه مخاطب بفرض نفسه ، فوجب أن يكون اعتباره لقوت نفسه .

                                                                                                                                            والقول الثاني : وهو قول أبي العباس بن سريج وأبي إسحاق المروزي ، أن الاعتبار بغالب قوت بلده : لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، خاطب أهل المدينة جمعا بغالب أقواتهم ولأن في اعتبار غالب قوت البلد توسعة ورفقا وفي اعتبار كل واحد مشقة وضيقا ، وما أدى إلى التوسعة والرفق في المواساة أولى ، فعلى هذين الوجهين إن عدل من غالب القوت إلى ما ليس بغالب القوت ، فأخرجه في زكاة فطره فذلك على ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يكون ما أخرجه من زكاته أدون من غالب قوته ، كأن أخرج شعيرا ، وغالب قوته تمر فهذا لا يجزئه : لأنه غير ما وجب عليه .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن يكون ما أخرجه في زكاته أغلى من غالب قوته كأنه أخرج برا وغالب قوته شعير ، ففي إجزائه وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : لا يجزئه : لأنه غير ما وجب عليه كمن أخرج شعيرا عن زكاة بر ، ودراهم عن زكاة دنانير .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : وهو منصوص الشافعي أنه يجزيه قال : لأنه أغلى مما وجب عليه كمن وجبت عليه سن فأخرج أعلى منها .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية