الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " والكفارة واحدة عنه وعنها " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : قد دللنا على وجوب الكفارة ، فإذا استقر وجوبها ، فمذهب الشافعي وما نص عليه في كتبه القديمة والجديدة ، أن الواجب كفارة واحدة على الزوج دونها وفي كيفية وجوبها عليه قولان :

                                                                                                                                            [ ص: 425 ] أحدهما : وهو منصوص الشافعي . أنها وجبت عليها ، ثم تحمل الزوج عنها .

                                                                                                                                            والثاني : أنها وجبت ابتداء على الزوج . وذكره الشافعي في بعض أماليه أن عليهما كفارتين ، فخرجه أصحابنا قولا ثانيا : وليس بصحيح ، وبه قال أبو حنيفة ومالك ، واستدلوا على ذلك بأنهما لما اشتركا في سائر موجبات الوطء من المأثم والقضاء ، ووجوب الغسل والعقوبة ، وجب أن يشتركا في الكفارة أيضا ، فيلزم كل واحد منهما كفارة ، ولأنهما اشتركا في سبب تجب به الكفارة ، فوجب أن يلزم كل واحد منهما كفارة كالقتل ، ولأن النكاح عقد من العقود ، فوجب أن لا تتحمل به الكفارة ، أصله عقد البيع ، والإجارة قالوا : ولأنه لا يخلو إيجابكم الكفارة الواحدة من أحد أمرين : إما أن تجب على الزوج وحده أو تجب عليهما معا ، فيبطل أن تجب على الزوج وحده لاشتراكهما في موجب الكفارة وهو الوطء ، ويبطل أن تجب عليهما معا ؛ لأنه يقتضي أن يلزم كل واحد منهما نصف كفارة وهذا خلاف الأصول ، والدلالة على صحة ما قلناه في وجوب كفارة واحدة عليهما ، ما رويناه في حديث الأعرابي ، وقوله صلى الله عليه وسلم " اعتق رقبة " والدليل في هذا الخبر من وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن الأعرابي إنما سأله عن فعل شارك فيه زوجته مع جهلهما بحكمه ، فاقتضى أن يكون جوابه حكما لجميع الحادثة .

                                                                                                                                            والثاني : أنه لما كان تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز ، ولم ينقل عنه أنه أمر المرأة بالكفارة ، ولا راسلها بإخراجها مع جهلها بالحكم ، فيما دل على أن الكفارة لا تلزمها فإن قيل : إنما لم يأمرها بالكفارة ، لأنها مكرهة لقول الأعرابي هلكت وأهلكت ، قيل : المنقول في الخبر غير هذا على أنه لو صح لكان هو الحجة في عدم الإكراه ؛ لأن المكرهة لا تهلك بفعل ما أكرهت عليه ، ولا يلحقها فيه إثم فلما ذكر أنه أهلكها علم أنه سألها فطاوعته ، فهلكت بمطاوعته ، ولأنه حق في مال يتعلق بالوطء ، فوجب أن يختص الزوج بتحمله كالمهر ، فأما ما احتجوا به من اشتراكهما في الإثم والقضاء ، فجمع بلا معنى على أن الكفارة يعتبر بها الفعل ، وإنما لا يعتبر بها الفاعل ، وقد يجوز أن يشتركا في الفعل ، ويختلف أحكامهما باختلاف أحوالهما كالزنا ، وأما قياسهم على كفارة القتل ، فالمعنى فيه أنه ليس من موجبات الوطء ، وأما قياسهم على عقد البيع فالمعنى فيه أنه لا يوجب النفقة والكسوة وزكاة الفطر .

                                                                                                                                            وقولهم : لا يخلو حال الكفارات ، إما أن تجب على الزوج ، أو عليهما قلنا : فيه قولان :

                                                                                                                                            [ ص: 426 ] الصوم أحدهما : أنها وجبت على الزوج وحده ، وهذا غير ممتنع كما يشتركان في الوطء ، ويختص الزوج بالتزام المهر .

                                                                                                                                            والثاني : أنها وجبت عليهما ، وهذا غير ممتنع كما يشتركان في قتل صيد فيكون الجزاء بينهما .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية