الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وإن كان واجدا لبعضها دون بعض فذلك ضربان :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يكون صاعا كاملا فعليه إخراجه : لأن العجز عن بعض الواجبات لا يسقط به باقيها ثم في كيفية إخراجه ثلاثة أوجه :

                                                                                                                                            أحدها : وهو ظاهر نصه ، أنه مخير بين إخراجه عن نفسه ، أو عن أيهم شاء : لأنه لو كان واجد الفطرة جميعهم ، لكان مخيرا في تقديم إخراجها عن أيهم شاء فكذا ، إذا كان واجد الفطرة أحدهم كان مخيرا في إخراجها عن أيهم شاء .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أنه يخرجها عن أحد الجماعة لا يعينه ليحتسب الله تعالى بها عمن شاء : لأنه لو كان واجد الفطرة جميعهم لم يلزمه أن يعينها عن كل واحد منهم ، وكذا إذا كان واجد الفطرة واحد منهم لم يلزمه أن يعينها عن أحدهم .

                                                                                                                                            والوجه الثالث : أن يخرجه عن أوكدهم حرمة وأقواهم سببا : لأن من كان حقه أوكد وأقوى فهو بالإخراج عنه أحق وأولى ، فعلى هذا يبدأ بنفسه لقوله صلى الله عليه وسلم ابدأ بنفسك ثم بمن [ ص: 374 ] تعول ، ثم يبدأ بعد نفسه بزوجته : لأن نفقة زوجته مقدمة على نفقة أقاربه ، فكذا فطرة نفسه مقدمة على فطرة أقاربه ، ثم يبدأ بعد زوجته بأولاده الصغار الفقراء وهم مقدمون على الأب : لأن وجوب النفقة عليهم بنص ، ووجوب النفقة على الأب باستدلال ، ثم يبدأ بعد أولاده الصغار بأبيه وهو مقدم على أمه : لأن نفقته في صغره قد تجب على أبيه دون أمه ، فكانت نفقة أبيه أوكد من نفقة أمه ، ثم يبدأ بعد أبيه بأمه وهي مقدمة على كبار ولده ، لقوة حرمتها بالولادة ثم أولاده الكبار الفقراء .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن يكون ما وجده بعد قوته أقل من صاع ، فمذهب الشافعي ، وما ذكره منصوصا في بعض كتبه أن عليه إخراجه لما ذكرنا من أن العجز عن بعض الواجبات لا يسقط ما بقي منها ، وفيه وجه آخر لبعض أصحابنا أنه لا يلزمه إخراجه كالكفارة التي لا يلزم إخراج بعضها ، إذا لم يقدر على جميعها وهذا غلط والفرق بينهما من وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن الكفارة ترجع فيها إلى بدل فلم يلزمه إخراج بعضها والفطرة لا يرجع فيها إلى بدل فلزمه إخراج بعضها .

                                                                                                                                            والثاني : أن إخراج بعض الصاع قد يجب في العبد بين شريكين ، فوجب إخراجه لجواز تبعيضه والكفارة لا يجوز تبعيضها فلم يجز إخراج بعضها .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية