الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وأما القسم الثاني : وهو أن يموت قبل غروب الشمس فقد مات قبل وجوب زكاة الفطر عليه ، فزكاته غير واجبة بحال فأما زكاة الفطر عن رقيقه فهي واجبة على ورثته : لأن زمان الوجوب أتى بعد انتقال التركة إلى ملكهم ، ثم ينظر فإن لم يكن على الميت دين فقد استقرت التركة في ملكهم ، ووجبت فطرة الرقيق عليهم تقسط بينهم على قدر مواريثهم ، فإن كان على الميت دين محيط بقيمة التركة والرقيق ، كان قيمة الرقيق ألفا وقدر الدين ألفا فقد حكي عن أبي سعيد الإصطخري أن فطرة الرقيق غير واجبة على الورثة ، لإحاطة الدين بها ، ولا على المتوفى لموته قبل وجوبها ، قال أبو سعيد : التركة باقية على ملك المتوفى لا يملكها الورثة ، إلا بعد قضاء الدين كله احتجاجا بقوله تعالى : من بعد وصية يوصى بها أو دين ، [ النساء : 11 ] ، فجعل الوارث مالكا للتركة بعد قضاء الدين والوصية ، فدل على انتفاء ملكه من قبل ، وإذا لم يملكها الوارث فهي على الميت قال : ولأن عهدة ما بيع من تركة الميت في دينه عليه لا على وارثه ، والعهدة إنما تجب على المالك دون غيره ، فلو كان الملك قد انتقل من الميت إلى الوارث لوجبت العهدة على الوارث دون الميت ، فلما لم تجب عليه دل على أن الملك لم ينتقل إليه ، ومذهب الشافعي وسائر أصحابه أن التركة قد انتقلت إلى ملك الوارث بموته قبل إخراج وصاياه وقضاء ديونه والدلالة على صحة ذلك أمور .

                                                                                                                                            أحدها : ما لا يعرف فيه خلاف أن للورثة أن يقضوا ديونه من غير التركة ، وتكون التركة ملكا لهم ، فلولا أن التركة على ملكهم لم يكن ذلك جائزا لهم .

                                                                                                                                            والثاني : أن الميت لو كان له دين ، وعليه دين جاز للورثة أن يخلفوا على دينه ، ويستحقوا ويقضوا منه ديونه فلولا أن ملك الدين قد انتقل إليهم ما جاز أن يخلفوا على غير ملكهم .

                                                                                                                                            والثالث : ما أجمعوا عليه أن الميت لو كان عليه دين وخلف اثنين ثم مات أحد الاثنين ، وترك ابنا ثم أن الغرماء أبرءوا الميت من ديونهم كانت التركة بين الابن الباقي وابن ابن الميت نصفين ، فلو كانت التركة على ملك الميت لا تنتقل إلى الورثة إلا بعد قضاء الدين لوجب أن تكون جميع التركة للابن الباقي : لأن الميت لم يكن مالكا لشيء منها في حياته ، فلما أجمعوا على خلاف هذا دل على أن التركة قد انتقلت بالموت إلى ملك الورثة ، فأما الآية فالمراد بها جواز التصرف دون الملك ، وأما الرجوع بالعهدة في تركته فلأن البيع كان من أجل دينه ، وقد يرجع بالعهدة في مثل هذا على من ليس بمالك ، ألا ترى أن عبدا لو بيع في جنايته ، ودفع ثمنه إلى المجني عليه ثم مات العبد قبل تسليمه ، رجع المشتري بعهدته وقيمته على المجني عليه دون سيده ، فإذا ثبت هذا فزكاة فطر الرقيق على الورثة ، وإن كان الدين محيطا بالتركة .

                                                                                                                                            [ ص: 370 ]

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية