الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ويؤدي عن عبيده الحضور والغيب وإن لم يرج رجعتهم إذا علم حياتهم ، وقال في موضع من هذا الكتاب وإن لم يعلم حياتهم ، واحتج في ذلك بابن عمر بأنه كان يؤدي عن غلمانه بوادي القرى ( قال المزني ) وهذا من قوله أولى " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : أما عبيده الحضور فقد ذكرنا أن عليه زكاة فطرهم وأما عبيده الغيب فلهم حالان :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يعلم حياتهم فعليه زكاة فطرهم ، سواء كان يعرف مكانهم ويرجو رجعتهم أم لا .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : لا يلزمه زكاة فطرهم إذا أبقوا لعدم تصرفه كما لا يلزمه زكاة ماله الغائب .

                                                                                                                                            والدلالة عليه ، ما روى ابن عمر رضي الله عنه أنه كان يؤدي عن غلمانه بوادي القرى ، [ ص: 357 ] ولأن زكاة فطرهم تجب لأجل الملك لا لأجل التصرف بدليل أن العبد لو كان زمنا لا يقدر على التصرف لزمته نفقته وزكاة فطره فأما المال الغائب فالفرق بينه وبين العبد من وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن إمكان التصرف شرط في زكاة المال فلم يجب إخراج زكاته إذا كان غائبا لعدم التصرف ، وليس إمكان التصرف شرطا في فطرة العبد فلزم إخراج فطرته وإن كان غائبا لا يقدر على التصرف .

                                                                                                                                            والثاني : أن زكاة المال إخراج قدر منه فإذا لم يحضر لم تجب وليس فطرة العبد منه . فجاز إن لم يحضر أن تجب .

                                                                                                                                            والحالة الثانية : أن لا تعلم حياتهم ، فقد قال الشافعي هاهنا إنه يؤدي عنهم الزكاة وإن لم يرج رجعتهم إذا علم حياتهم ، وكان مفهومه أنه إذا لم يعلم حياتهم لم يؤد عنهم .

                                                                                                                                            وقال في موضع آخر يؤدي عنهم وإن لم يعلم حياتهم .

                                                                                                                                            واختلف أصحابنا فكان من المتقدمين وساعدهم ابن أبي هريرة يخرجون المسألة على قولين :

                                                                                                                                            أحدهما : عليه زكاة فطرهم : لأن الأصل بقاء حياتهم ووجوب فطرهم فلا تسقط بالشك ، ولأنه لو أعتقهم عن كفارة قال الشافعي هاهنا لم يجزه إلغاء لحكم حياتهم فكذلك لا تلزمه زكاة فطرهم إلغاء لحكم حياتهم ، وكان أبو إسحاق المروزي وهو الصحيح جعل المسألة قولا واحدا : أن زكاة فطرهم واجبة عليه فعلى هذا الفرق بين هذا والكفارة ، هو أن الأصل بقاء الكفارة في ذمته يتعين فلا يسقط فرضها بالشك ، والأصل حياة الغائب فلم تسقط زكاة فطره بالشك ، فبالمعنى الذي احتيط في الكفارة فلم يسقط فرضها بالشك بمثله ، احتيط في زكاة الفطرة فلم يسقط فرضها بالشك .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية