الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ومن بلغت صدقته جذعة وليست عنده جذعة وعنده حقة فإنها تقبل منه ويجعل معها شاتين إن استيسرتا عليه أو عشرين درهما ، فإذا بلغت عليه الحقة وليست عنده حقة وعنده جذعة فإنه تقبل منه الجذعة ويعطيه المصدق عشرين درهما أو شاتين " ( قال الشافعي ) حديث أنس بن مالك ثابت من جهة حماد بن سلمة وغيره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وروي عن ابن عمر أن هذه نسخة كتاب عمر في الصدقة التي كان يأخذ عليها ، فحكي هذا المعنى من أوله إلى قوله " ففي كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة " ( قال الشافعي ) وبهذا كله نأخذ " .

                                                                                                                                            [ ص: 85 ] قال الماوردي : وهو صحيح .

                                                                                                                                            وأصله أن من وجبت الفريضة في ماله وليست عنده ، فله الصعود في السن والأخذ أو النزول والرد . وقال مالك : " عليه أن يبتاع الفرض الواجب عليه " ، والدلالة عليه رواية أنس بن مالك قال : كان في كتاب أبي بكر الصديق رضي الله عنه : ومن بلغت صدقته جذعة وليست عنده وعنده حقة أخذت منه ، ويجعل معها إن استيسر شاتين ، أو عشرين درهما ، ومن بلغت صدقته حقة وليست عنده وعنده جذعة أخذها وأعطاه المصدق شاتين ، أو أعطاه المصدق عشرين درهما ، وذكر مثل هذا في كل فريضة ، ولأن أمر الزكاة مبني على المواساة والرفق برب المال والمساكين ، فإذا لم يكن الفرض موجودا في ماله جعل له الصعود والنزول تخفيفا عليه ورفقا به ، إذ في تكليفه ابتياع الفرض مشقة لاحقة ، فإذا ثبت جواز الصعود في السن والأخذ والنزول فيها والرد ، فالواجب في كل سن شاتان أو عشرون درهما وبه قال كافة الفقهاء إلا ما حكي عن حماد بن أبي سليمان وهو قول علي عليه السلام : أنه أوجب في كل سن شاتين ، أو عشرة دراهم خلفا بأن نصاب الدراهم لما كان مائتي درهم ونصاب الغنم أربعين كانت قيمة كل شاة منها خمسة دراهم ، فوجب أن تكون الشاتان في مقابلة عشرة دراهم . وهذا مذهب يدفعه نص الحديث الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، على ما رويناه عن أنس بن مالك فكان مطرحا ، وليس نصب الزكوات بعضها مقدرا بقيمة بعض ؛ لأن نصاب البقر ثلاثون والغنم أربعون ، وقد تقرر أن البقرة في الشرع مقدرة في الضحايا بسبع من الغنم ، ونصاب الإبل خمس ، وهي في الضحايا كالبقر ، فعلم بذلك فساد اعتباره وعدوله عن النص لسوء اختياره .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية