الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " ولا تؤخذ صدقة شيء من الشجر غير العنب والنخل فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الصدقة منهما وكلاهما قوت ولا شيء في الزيتون : لأنه يؤكل أدما ولا في الجوز ولا في اللوز وغيره مما يكون أدما وييبس ويدخر : لأنه فاكهة : لأنه كان بالحجاز قوتا علمناه ولأن الخبر في النخل والعنب خاص " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : اعلم أن ما تنبته الأرض نوعان زرع وشجر ، فالزرع يأتي حكمه ، والشجر ينقسم في الحكم ثلاثة أقسام ، قسم لا يختلف مذهب الشافعي وغيره أن زكاته واجبة ، وهو النخل والكرم وقد مضى الكلام فيهما ، وقسم لا يختلف مذهب الشافعي أن لا زكاة فيه وإن خالفه غيره وهو الرمان ، والسفرجل ، والتفاح ، والمشمش ، والكمثرى ، والجوز ، والخوخ ، واللوز ، وما عدا ما ذكر في القسم الماضي وما يذكر في القسم الآتي ، وقسم اختلف مذهب الشافعي في بعضه وعلق القول في بعضه ، وهو أربعة أجناس الزيتون ، [ ص: 235 ] والورس ، والزعفران والقرطم ، وعلق القول في خامس ليس من جنسها وهو العسل ، فأما الزيتون فله في إيجاب زكاته قولان :

                                                                                                                                            أحدهما : وهو قوله في القديم فيه الزكاة ، وبه قال مالك : لقوله تعالى : وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات والنخل والزرع مختلفا أكله والزيتون والرمان متشابها وغير متشابه كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده " ، [ الأنعام : 141 ] ، فاقتضى أن يكون الأمر بإتيان الحق راجعا إلى جميع المذكور من قبل .

                                                                                                                                            وروي عن عمر رضي الله عنه أنه كتب إلى عامله بالشام أن يأخذ زكاة الزيتون .

                                                                                                                                            وروي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال : في الزيتون العشر ، ولا مخالف لهما في أصحابه فكان إجماعا ، ولأن عادة أهل بلاده جارية بادخاره واقتنائه كالشام وغيرها مما يكثر نبات الزيتون بها ، فجرى مجرى التمر والزبيب ، فاقتضى أن تجب فيه الزكاة .

                                                                                                                                            والقول الثاني : نص عليه في الجديد وهو الصحيح .

                                                                                                                                            وبه قال ابن أبي ليلى والحسن بن أبي صالح لا زكاة فيه ، لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذا إلى اليمن قال له : " لا تأخذ العشر إلا من أربعة : الحنطة ، والشعير ، والنخل ، والعنب " ، فأثبت الزكاة في الأربعة ونفاها فيما عدا ذلك ، ولأنه قد كان موجودا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما افتتحه من مخاليف اليمن وأطراف الشام ، فلم ينقل أنه أخذ زكاة شيء منه ، ولو وجبت زكاته لنقلت عنه قولا وفعلا كما نقلت زكاة النخل والكرم قولا وفعلا ، ولأنه وإن كثر من بلاده فإنه لا يقتات منفردا كالتمر والزبيب ، وإنما يؤكل أدما ، والزكاة تجب في الأقوات ولا تجب في الإدام ، فإذا ثبت توجيه القولين فإن قلنا إنه لا زكاة فيه فلا مسألة ، وإن قلنا فيه الزكاة فلا شيء فيما دون خمسة أوسق للخبر ، فإذا بلغ خمسة أوسق ففيه الزكاة حينئذ ، ولا يجوز خرصه : لأن الزيتون مستتر بورقه لا يمكن الإحاطة بمشاهدته ، وليس كالنخل والكرم البارز الثمر الذي يمكن الإحاطة به ، ثم له حالان :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يكون مما يصير زيتا .

                                                                                                                                            والثاني : أن يكون مما لا يصير زيتا ، فإن كان مما لا يصير زيتا اعتبر فيه خمسة أوسق منه ، وأخذ عشره زيتونا ، وإن كان مما يصير زيتا فعلى قولين :

                                                                                                                                            أحدهما : يعتبر فيه خمسة أوسق زيتا : لأن الزيت حالة ادخاره كالتمر ، فعلى هذا يؤخذ عشره زيتا لا غير .

                                                                                                                                            والقول الثاني : يعتبر فيه خمسة أوسق زيتونا : لأن الزيت مستخرج من الزيتون بصنعة وعلاج فلم يكن كحاله كالدبس والدقيق ، فعلى هذا يأخذ عشره زيتونا لا غير .

                                                                                                                                            [ ص: 236 ]

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية