الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وإذ قد مضى ما يحل ويحرم من الحيوان وجب أن نبين ما يحل ويحرم من النبات ، والنبات على أربعة أقسام :

                                                                                                                                            [ ص: 178 ] أحدها : ما كان غذاء كالحبوب والثمار والفواكه ، والبقول ، فأكلها مباح وبيعها جائز ، وسواء أكلت قوتا أو تفكها ، فإن كانت مما زرعه الآدميون ، فهي ملك لزارعها ، وإن كانت مما أنبته الله تعالى في الموات ، فهي ملك لآخذها .

                                                                                                                                            والقسم الثاني : ما كان دواء ، فأكله للتداوي مباح ، وينظر في أكله لغير التداوي ، فإن كان ضارا منع من أكله ، وإن كان غير ضار أبيح أكله ، وبيعه في الحالين جميعا جائز .

                                                                                                                                            والقسم الثالث : ما كان مسكرا ، وهو على ثلاثة أضرب :

                                                                                                                                            أحدها : أن يكون فيه مع السكر شدة مطربة ، فأكله حرام ، وعلى آكله الحد ، ولا يجوز أن يستعمل في دواء ولا غيره كالخمر ، وبيعه حرام .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن يسكر ، ولا تكون فيه شدة مطربة كالبنج ، فأكله حرام ، ولا حد على أكله ، ويجوز أن يستعمل في الدواء عند الحاجة ، وإن أفضى إلى السكر إذا لم يوجد من إسكاره بد ، وينظر في بيعه ، فإن كان يستعمل في الأدوية غالبا جاز بيعه ولم يكره ، وإن كان يستعمل فيها نادرا كره بيعه ، وإن جاز .

                                                                                                                                            والضرب الثالث : ما أسكر مع غيره ولم يسكر بانفراده كالداذي ، وما شاكله ، فينظر فيه ، فإن لم ينتفع به من دواء ، ولا غيره ، حرم أكله وبيعه تغليبا ، لغالب أحواله ، وإن انتفع بأكله في الدواء حل أكله تداويا وجاز بيعه ، وكان مكروها إن كان أغلب أحواله استعماله في المسكر ، ولم يكره إن كان أغلب أحواله استعماله من غير المسكر .

                                                                                                                                            والقسم الرابع : ما كان ضارا كالسموم ، فهذا على أربعة أضرب :

                                                                                                                                            أحدها : ما قتل قليله ، وكثيره ، فأكله حرام ، وبيعه باطل سواء كان قتله موجيا أو مبطئا .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : ما قتل كثيره دون قليله ، فأكل كثيره حرام ، فأما قليله ، فإن كان غير منتفع به حرم أكله ، وبطل بيعه تغليبا لضرره ، وإن كان منتفعا به من التداوي حل أكله تداويا ، وجاز بيعه ، ولم يكره ، وإن كان غالبه التداوي وكره إن كان غالبه غير التداوي .

                                                                                                                                            والضرب الثالث : ما يقتل في الأغلب ، وقد يجوز أن لا يقتل ، فحكم الأغلب له ألزم ، ويكون على ما تقدم .

                                                                                                                                            والضرب الرابع : ما لا يقتل في الأغلب ، وقد يجوز أن يقتل ، فقد ذكر الشافعي [ ص: 179 ] في موضع إباحة أكله ، وذكر في موضع تحريم أكله ، فتوهم بعض أصحابه ، فخرج إباحة أكله على قولين اعتبارا بظواهر كلامه في الموضعين .

                                                                                                                                            والصحيح أن إباحته لأكله إذا كان منتفعا به في التداوي وتحريم أكله إذا كان غير منتفع به في التداوي ، فيكون على اختلاف حالين لا على اختلاف قولين .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية