الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال المزني : وخالف الشافعي المدني والكوفي في الانتفاع بشعر الخنزير وفي صوف الميتة وشعرها ، فقال : لا ينتفع بشيء من ذلك .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وقد مضى الخلاف في نجاسة الشعور والأصواف وطهارتها في كتاب الطهارة ، فالطاهر منها يجوز استعماله في الذائب واليابس ، وأما النجس منها ، فضربان :

                                                                                                                                            أحدهما : ما كان في الحياة طاهرا ، كشعور السباع ، والذئاب ، فاستعمالها في اليابسات من متاع دون الذائبات .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : ما كان نجسا في الحياة كشعر الكلب والخنزير ، وإن جرى عرف العوام باستعماله ، وأجازه أبو حنيفة ومالك .

                                                                                                                                            وسئل عنه أحمد بن حنبل ، فقال : الليف أعجب إلي منه ، فكأنه كرهه وأجازه ، وعولوا في إباحة استعماله على أمرين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن الحاجة داعية إليه .

                                                                                                                                            والثاني : أن عرف العامة جار باستعماله ، وهذا فاسد من وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه لما حرم الانتفاع بالخنزير حيا كان تحريم شعره ميتا أولى .

                                                                                                                                            والثاني : أنه لما كان أغلظ تنجيسا وجب أن يكون أغلظ تحريما ، فإن خالفوا من نجاسته انتقل الكلام إليه .

                                                                                                                                            فأما تعويلهم على الحاجة إليه ، فالحاجة لا تبيح محظورا ، وقد يقوم الليف مقامه ، فسقطت الحاجة إليه .

                                                                                                                                            وتعويلهم على العرف في استعماله ، فهو عرف من مسترسل في دينه .

                                                                                                                                            فإذا صح تحريم استعماله كان مأثم تحريمه عائدا على مستعمله ، وجاز بيع المحروز به ، فإن كان الشعر عند الاستعمال يابسا لاقى يابسا ، فالخف المحروز به طاهر ، والصلاة فيه جائزة ، وإن لاقى في الحرز نداوة كان ما مسه الشعر من الخف المحروز نجسا ، فإن غسل سبعا بتراب طهر ظاهره ، ولم تطهر دواخل الحرز ، ولم تجز الصلاة فيه ، والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية