الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : والقسم الثالث من أسمائه ما اختص إطلاقه بالله تعالى ، وكان في الإضافة مشتركا ، وهو الرب ، اسم مأخوذ من صفة ، اختلف فيها على أربعة أوجه :

                                                                                                                                            أحدها : أنه مأخوذ من المالك ، كما يقال : رب الدار أي مالكها .

                                                                                                                                            والثاني : أنه مأخوذ من السيد ؛ لأن السيد يسمى ربا . قال الله تعالى : أما أحدكما فيسقي ربه خمرا [ يوسف : 36 ] . يعني : سيده .

                                                                                                                                            والثالث : أنه الرب المدبر ، ومنه قول الله تعالى : والربانيون والأحبار [ المائدة : 144 ] . وهم العلماء سموا ربانيين ، لقيامهم بتدبير الناس بعلمهم ، وقيل : ربة البيت ؛ لأنها تدبره .

                                                                                                                                            والرابع : أن الرب مشتق من التربية ، ومنه قول الله تعالى : وربائبكم اللاتي في حجوركم [ النساء : 23 ] . فسمي ولد الزوجة ربيبة ، لتربية الزوج لها ، فعلى هذا إن قيل : إن صفة الله تعالى بأنه رب ؛ لأنه مالك أو سيد ، فذلك صفة من صفات ذاته .

                                                                                                                                            وإن قيل : لأنه مدبر لخلقه أو مربيهم ، فذلك صفة من صفات فعله ، وصفات ذاته قديمة ، وصفات فعله محدثة ، وهما في اشتقاق الاسم منه على السواء ؛ لأنه يكون حالفا بالاسم دون الصفة ، وإن كانت اليمين بالصفتين مختلفة ، تنعقد بصفة الذات لقدمها ، ولا تنعقد بصفة الفعل لحدوثها .

                                                                                                                                            فإذا تقرر اشتقاقه انقسمت اليمين به أربعة أقسام :

                                                                                                                                            أحدها : ما يكون به حالفا في الظاهر والباطن ، وهو أن يصفه بما لا يستحقه إلا الله تعالى ، وهو أن يقول : رب العالمين ، أو رب السماوات والأرضين ، فهذا حالف به في الظاهر والباطن ؛ لأنه وصفه بما اختص الله تعالى به دون غيره فإن قال : أردت غير الله لم يقبل منه .

                                                                                                                                            والقسم الثاني : ما يكون به حالفا في الظاهر ، ويجوز أن يكون غير حالف به في الباطن ، وهو أن يقول : والرب ، فيدخل عليه الألف واللام ، ولا يعرفه بصفة ، فيكون حالفا به في الظاهر ، فإن قال : أردت به رب الدار ، دين في الباطن ، ولم يكن به حالفا لاحتماله ، وكان حالفا به في الظاهر لإطلاقه .

                                                                                                                                            والقسم الثالث : ما لا يكون به حالفا في الظاهر ، ويجوز أن يكون حالفا به في [ ص: 258 ] الباطن ، وهو أن يقول : ورب هذه الدار ، فلا يكون حالفا في الظاهر ؛ لأنه في العرف إشارة إلى مالكها ، فإن قال : أردت به خالقها ، وهو الله تعالى ، كان حالفا .

                                                                                                                                            والقسم الرابع : ما اعتبر فيه عرف الحالف ، وهو أن يقول : وربي ، فإن كان من قوم يسمون السيد في عرفهم ربا ، لم يكن حالفا في الظاهر إلا أن يريد به الله تعالى ، فيصير به حالفا ، وإن كان من قوم لا يسمون الرب في عرفهم إلا الله تعالى كان حالفا في الظاهر إلا أن يريد به غير الله تعالى ، فلا يكون حالفا في الباطن اعتبارا بالعرف في الحالين ، قال الله تعالى : أما أحدكما فيسقي ربه خمرا [ يوسف : 136 ] . يعني سيده . وحكي عن إبراهيم : إني ذاهب إلى ربي سيهدين [ الصافات : 99 ] . يعني الله تعالى ، فكان الرب في إبراهيم ويوسف مختلفا في المراد به لاختلافهم في العرف .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية