الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " ومن حلف لا يفعل فعلين أو لا يكون أمران ، لم يحنث حتى يكونا جميعا وحتى يأكل كل الذي حلف أن لا يأكله " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : عقد اليمين على فعلين ضربان :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يعقد على إثباتهما .

                                                                                                                                            والثاني : أن يعقد على نفيهما .

                                                                                                                                            فإن كانت معقودة على إثباتهما كقوله : والله لآكلن هذين الرغيفين ، ولألبسن هذين الثوبين ، ولأركبن هاتين الدابتين ، فلا خلاف بين القضاء أنه لا يبر إلا بفعلهما فيأكل الرغيفين ، ويلبس الثوبين ويركب الدابتين ، فإن أكل أحد الرغيفين ولبس أحد الثوبين وركب إحدى الدابتين لم يبر ، وهذا متفق عليه ، وإن كانت اليمين معقودة على نفي فقال : والله لا أكلت هذين الرغيفين ، ولا لبست هذين الثوبين ، ولا ركبت هاتين الدابتين ، فمذهب الشافعي وأبي حنيفة أنه لا يحنث إلا بهما ، كما لا يبر إلا بهما ، فإن أكل أحد الرغيفين ، ولبس أحد الثوبين ، وركب إحدى الدابتين لم يحنث .

                                                                                                                                            وقال مالك : يحنث بفعل أحدهما ، وإن لم يبر إلا بهما وفرق بينهما من وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن الإثبات إباحة ، والنفي حظر ، والحظر أغلب من الإباحة .

                                                                                                                                            والثاني : أن الأيمان موضوعة على التغليظ ، والتغليظ في النفي أن يحنث بأحدهما ، وفي الإثبات أن لا يبر إلا بهما ، وهذا فاسد من وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن فعل بعض الشيء لا يقوم مقام فعل جميعه في النفي والإثبات معا وفاقا وشرعا ؛ لأنه لو حلف لا يدخل هذه الدار ، فأدخل رأسه أو إحدى رجليه لم يحنث .

                                                                                                                                            ولو حلف ليدخلنها ، فأدخل رأسه أو إحدى رجليه لم يبر ، وهذا وفاق قد ورد به الشرع ، قد اعتكف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مساجده فأدخل رأسه منه إلى حجرة عائشة رضوان الله عليها لتغسله ، ولم يؤثر في اعتكافه .

                                                                                                                                            [ ص: 380 ] وقال لبعض أصحابه ، وهو في المسجد الحرام : لقد أنزلت علي آية لم تنزل على أحد قبلي إلا على أخي سليمان ، قال : يا رسول الله ، أي آية هي ؟ قال : لا أخرج من المسجد حتى أعلمك فتوجه للخروج ، وقدم إحدى رجليه فأخرجها ، ثم قال للرجل : بم تستفتح صلاتك قال : بسم الله الرحمن الرحيم ، قال : " هي ، هي " .

                                                                                                                                            فدل على أن إخراج إحدى رجليه لا يكون خروجا ، وإذا كان بعض الفعل لا يقوم مقام جميع الفعل ، فأحد الفعلين أولى أن لا يقوم مقام الفعلين .

                                                                                                                                            والثاني : أنه لما استوى الفعلان في شرط البر وجب أن يستويا في شرط الحنث ، لتردد اليمين بين بر وحنث ، وفرق ما بينهما منتقض بفعل بعض الشيء حيث لم يقم مقام جميعه في الإثبات والنفي معا مع وجود الحظر والإباحة فيهما .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية