الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فأما صفات الله تعالى فضربان :

                                                                                                                                            أحدهما : صفات ذاته .

                                                                                                                                            والثاني : صفات أفعاله .

                                                                                                                                            فأما صفات ذاته فقديمة لقدم ذاته ، وذلك مثل قوله : وقدرة الله ، وعظمة الله ، وجلال الله ، وعزة الله ، وكبرياء الله ، وعلم الله ؛ لأنه نزل على هذه الصفات ذا قدرة ، وعظمة ، وجلال ، وعزة ، وكبرياء ، وعلم ، فجرت هذه الصفات اللازمة لذاته مجرى الموصوف ، فجرى عليها حكم أسمائه في انعقاد اليمين بها في وجوب الكفارة فيها .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : إذا حلف بعلم الله لم يكن يمينا ، وأجراها مجرى معلومه ، ولو حلف بمعلوم الله لم يكن يمينا ، كذلك إذا حلف بعلمه .

                                                                                                                                            وهذا فاسد ؛ لأن العلم من صفات ذاته ، فانعقدت به اليمين كالقدرة والعظمة ، والفرق بين العلم والمعلوم أن المعلوم منفصل عن ذاته ، والعلم متصل بها ، وأما صفات أفعاله فهي محدثة غير لازمة كقوله : وخلق الله ، ورزق الله ، فلا يكون حالفا بها لخلوها منه قبل حدوثها ، واليمين بالمحدثات غير منعقدة كذلك ما كان محدثا من صفات أفعاله .

                                                                                                                                            فأما أمانة الله فهي كصفات أفعاله لا ينعقد بها يمين إلا أن يريد اليمين ، وأجراها أبو حنيفة مجرى صفات ذاته ، فعقد بها اليمين ، وأوجب فيها الكفارة .

                                                                                                                                            ودليلنا هو أن أمانة الله فروضه التي أمر بها عبيده ، وأوجب عليهم فعلها قال الله تعالى : إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا [ الأحزاب : 72 ] .

                                                                                                                                            وقد كان علي بن أبي طالب - عليه السلام إذا دخل عليه وقت الصلاة اصفر مرة ، واحمر مرة ، وقال أتتني الأمانة التي عرضت على السماوات والأرض والجبال ، فأبين أن يحملنها ، وأشفقن منها ، وحملتها أنا ، فلا أدري أسيء فيها أو أحسن . وإذا كان كذلك دل على أن أمانة الله محدثة ، فلم يلزم بها الكفارة .

                                                                                                                                            فإن قيل : معنى أمانة الله أنه ذو أمانة ، وذلك من صفات ذاته .

                                                                                                                                            قيل : يحتمل أنه يريد بأمانة الله أنه ذو أمانة ، فيكون من صفات ذاته ، ويحتمل أن [ ص: 262 ] يريد بها فروض الله ، فتكون من صفات أفعاله ، فلم تنعقد به اليمين مع احتمال الأمرين إلا أن يريد بها اليمين ، والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية