الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي - رحمه الله - تعالى : " وأي أبويه كان مجوسيا فلا أرى تؤكل ذبيحته . وقال في كتاب النكاح : ولا ينكح إن كانت جارية وليست كالصغيرة يسلم أحد أبويها : لأن الإسلام لا يشركه الشرك والشرك يشركه الشرك " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : قد ذكرنا أن ذبيحة المجوسي لا تحل ، وتحل ذبيحة أهل الكتاب في كل حيوان مباح .

                                                                                                                                            وقال مالك : تحل لنا ذبائح أهل الكتاب في كل حيوان مما يستحلونه من البقر والغنم ، ولا تحل فيما لا يحلونه من الإبل : لأنهم يقصدون بذبحه الإتلاف دون الذكاة ، وهذا غلط : لقوله تعالى : وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم [ المائدة : 5 ] يريد بالطعام : الذبيحة دون ما يستطعمونه : لأنهم يستطعمون الخنزير ، ولا يحل لنا .

                                                                                                                                            ولأن ما حل بذبيحة المسلم حل بذبيحة الكتابي ، كالبقر والغنم طردا ، وكالبغال والحمير عكسا .

                                                                                                                                            وإذا كان هذا أصلا مقررا ، وقياسا مستمرا ، فاختلف أبوا الكافر ، فحلت ذبيحة أحدهما ، ولم تحل ذبيحة الآخر بأن يكون أحدهما يهوديا والآخر مجوسيا نظر :

                                                                                                                                            فإن كان أبوه مجوسيا وأمه يهودية فلا تحل ذبيحته لوجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن نسبه يلحق بأبيه ، فكان حمله حمل أبيه .

                                                                                                                                            والثاني : أن الحظر والإباحة إذا اجتمعا يغلب حكم الحظر على الإباحة .

                                                                                                                                            وإن كان أبوه يهوديا وأمه مجوسية ، ففي إباحة ذبيحته قولان :

                                                                                                                                            أحدهما : تحل ذبيحته تعليلا بأنه يرجع إلى أبيه في نسبه .

                                                                                                                                            [ ص: 25 ] والقول الثاني : لا تحل ذبيحته تعليلا بأن اجتماع الحظر والإباحة يوجب تغليب الحظر على الإباحة ، كالمتولد من حمار وحشي وحمار أهلي .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : إن كان أحدهما كتابيا حلت ذبيحته سواء كان الكتابي منهما أباه وأمه ، كما لو كان أحد أبويه مسلما . والآخر مجوسيا ، ولا يوجب تغليب الحظر على الإباحة : كما لم يغلب الحظر في إسلام أحد أبويه ، وهذا فاسد من وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه لما غلب في النكاح حكم الحظر على الإباحة في ولد الكافر ، وإن لم يغلب حكم الحظر إذا كان أحدهما مسلما وجب حكم الذبيحة بمثابته .

                                                                                                                                            والثاني : وهو ما علل به الشافعي أن الإسلام لا يشركه الشرك والشرك يشركه الشرك ، وبيانه أن الإسلام والشرك لا يجتمعان ، ويرتفع الشرك بقوة الإسلام : لقول الله تعالى : بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولقول النبي : - صلى الله عليه وسلم - الإسلام يعلو ولا يعلى .

                                                                                                                                            وإذا كان أحد أبويه مسلما ، والآخر مشركا ، غلبه حكم الإسلام على حكم الشرك ، ويجتمع الشرطان : لأنهما باطلان ، فلم يرتفع حكم أحدهما بالآخر ، وإذا لم يرتفع حكما أحدهما وجب أن يغلب الحظر منهما .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية