الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وسأوضح في الأيمان أصلا يحمل عليه أحكامها ، ليسلم من هذا الاختلاف ، فأقول : إن كل يمين انعقدت على اسم يعتبر به البر والحنث لم يخل ذلك الاسم من أمرين مجمل ومفسر .

                                                                                                                                            فإن كان الاسم مجملا كقوله في الإثبات : والله لأفعلن شيئا ، وفي النفي : والله لا فعلت شيئا ، فاسم الشيء يعم كل مسمى ، فلا يحمل على جميع الأسماء لخروجها من القدرة والعرف ، ووجب أن يحمل على بعضها ، ولا يتعين بعضها إلا بالبيان ، فوجب أن يرجع فيها إلى بيانه ، وله حالتان :

                                                                                                                                            إحداهما : أن يكون له نية وقت يمينه ، فيحمل إجمال يمينه على نيته ، فيصير بالنية مفسرا ، وبالقول مخبرا ، كأنه أراد بقوله : لا فعلت شيئا ؛ أي لا دخلت هذه الدار ، وبقوله : لأفعلن شيئا أي : لأدخلن هذه الدار ، فتعلق بره وحنثه بدخول الدار ، سواء تقدم على بيانه أو تأخر ، ولا يتعلق بغيره من الأشياء ، بر ولا حنث .

                                                                                                                                            والحال الثانية : أن لا تكون له نية وقت يمينه ، فله أن يعينها بعد اليمين فيمن شاء ، ويعمل فيها على خياره ، كمن قال لنسائه : إحداكن طالق ، ولم يعين واحدة ، كان له تعيين الطلاق فيمن شاء منهن ، وإن كان التعيين على خياره ، فاليمين على ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يكون قد حلف بطلاق أو عتاق ، فيؤخذ حتما بتعيين يمينه ، فيما يختاره من الأشياء ، لتعلق حق الآدمي بها .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن يكون قد حلف بالله ، فلا يجبر على تعيين ما يختاره ، وتكون موقوفة على إرادته في التعيين متى شاء ، ولا حنث فيها قبل التعيين .

                                                                                                                                            [ ص: 431 ] فإذا عينها باختياره فجعل قوله : لأفعلن شيئا معينا في أن يركب هذه الدابة ، وقوله : لا فعلت شيئا معينا في أن يركب هذه الدابة ، صار هذا التعيين هو المراد باليمين ، فتعلق به البر والحنث دون غيره .

                                                                                                                                            وإذا كان كذلك لم يخل أن يكون قد وجد منه ركوب الدابة قبل التعيين ، أو لم يوجد ، فإن لم يوجد ركوبها قبل التعيين تعلق البر والحنث بما يستأنفه من ركوبها بعد التعيين .

                                                                                                                                            وإن كان قد ركبها قبل التعيين ، ففي وقوع البر والحنث به وجهان مبنيان على تعيين الطلاق المبهم في واحدة من نسائه ، هل يوجب وقوعه وقت اللفظ أو وقت التعيين .

                                                                                                                                            أحد الوجهين : يقع الطلاق باللفظ المتقدم ، فعلى هذا يتعلق البر والحنث بما تقدم من الركوب قبل التعيين ، ولا يتعلق بما تأخر عنه بر ولا حنث .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : يقع الطلاق وقت التعيين ، فعلى هذا يتعلق البر والحنث بالركوب بعد التعيين ، ولا يتعلق بما تقدمه بر ولا حنث .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية