الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " وإذا سافر الرجل بالمرأة سفرا يكون ستة وأربعين ميلا بالهاشمي ، كان لهما أن يفطرا في شهر رمضان ويأتي أهله ، فإن صاما في سفرهما أجزأهما " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا كما قال ، كل مسافة جاز أن تقصر فيها الصلاة جاز أن يفطر فيها .

                                                                                                                                            في شهر رمضان ؛ لأن الفطر رخصة كالقصر ، واختلفوا في قدر المسافة فعندنا أنها مسافة يوم وليلة بسير النقل ، ودبيب الأقدام وقدر ذلك ستة وأربعون ميلا بالهاشمي ، أو ثمانية وأربعون ميلا بالمرواني ، وهو ستة عشر فرسخا ، وهو أربعة برد وحكينا خلاف أبي حنيفة في كتاب الصلاة ، ودللنا عليه بما أغنى عن إعادته ، فمن ذلك ما روي عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا تفطروا يا أهل مكة في أقل من أربعة برد " وذلك من مكة إلى عسفان وإلى الطائف ، فإذا سافر قدر المسافة المذكورة جاز لهما الفطر إن شاء بالأكل أو بالجماع فلا كفارة عليه ؛ لأن الفطر المباح يستوي فيه حال الأكل والجماع ، والفطر في السفر مباح ، وحكي عن طائفة من أهل الظاهر وبه قال قوم من الصحابة أن الفطر في السفر واجب تعلقا بقوله تعالى : فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر [ البقرة : 185 ] فأمره بالقضاء على الأحوال كلها وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ليس من البر الصيام في السفر " وبقوله صلى الله عليه وسلم " الصائم في السفر كالمفطر في الحضر " والدلالة على أن الفطر رخصة وإباحة رواية عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لحمزة بن عمرو الأسلمي " إن شئت فصم وإن شئت فأفطر " وروي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : " كل ذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أتم وقضى وصام وأفطر وروي عن أبي سعيد الخدري وأنس بن مالك أنهما قالا : سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم منا الصائم ومنا المفطر لا يعيب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم فأما قوله تعالى : فعدة من أيام أخر [ البقرة : 184 ] ، ففي الآية الإضمار وهو الفطر الذي يجب فيه القضاء ، وأما قوله : " ليس من البر الصيام في [ ص: 446 ] السفر " فخارج على سبب ، وهو أنه صلى الله عليه وسلم مر برجل ، وقد اجتمع عليه الناس وهو ينقل من فيء إلى فيء فسأل عنه فقالوا : أجهده الصوم فقال : ليس من البر الصيام في السفر " يعني لمن كان في مثل حاله ، وأما قوله " الصائم في السفر كالمفطر في الحضر " فموقوف على عبد الرحمن بن عوف فإن صح فمعناه إذا اعتقد وجوب الصوم في السفر .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية