مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " وإذا وجبت عليه جذعة لم يكن له أن يأخذ منه ماخضا إلا أن يتطوع " .
قال الماوردي : وهذا كما قال . ، سواء كانت إبله حوامل أو حوائل إلا أن يتطوع بها ، فيجوز أن تؤخذ منه لزيادتها ، وقال داود بن علي : لا يجوز الماخض بحال لقول إذا كان فرض إبله جذعة لم يجز للساعي أن يأخذ ماخضا عمر بن الخطاب رضي الله عنه لساعيه : لا تأخذ الربا ولا الماخض ، ولا فحل الغنم . ولأن الحمل نقص في الحيوان ، ألا تراه لو دفع الغرة حاملا في دية الجنين لم تقبل منه ، ولو اشترى أمة فظهر بها حمل كان للمشتري ردها به ، وإذا كان عيبا يوجب الرد لم يجز قبوله في الزكاة ، وهذا خطأ .
[ ص: 100 ] ودليلنا ما روى أبي بن كعب قال : " فدل على أنه أفضل الأمرين ، وأن قبوله جائز ، ولأن الحمل في البهائم زيادة ، ألا ترى أن ديات الإبل تتغلظ به وتتخفف بعدمه ، وإن كان تزايدا وجب أن يكون قبوله جائزا ، فأما نهي بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم مصدقا ، فأتيت رجلا فجمع لي ماله ، فوجد قد وجبت فيه بنت مخاض ، فقلت له : صدقتك بنت مخاض ، فقال : إنه لا در فيها ولا نسل ، خذ هذه الناقة السمينة الكوماء ففيها در ونسل . فقلت : لم يأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو منك قريب فائته واسأله . فأتاه وسأله فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " ذاك الواجب ، فإن تطوعت بخير منه آجرك الله وقبلناه عمر رضي الله عنه عنها فمعناه : إذا لم يرض مالكها ، وأما قوله إنه نقص في الحيوان ، فهو نقص في الآدميات وزيادة في البهائم ، ولهذا المعنى فرقنا بين قبول الماخض في الزكاة ، وبين قبول الغرة في الحامل في دية الجنين ، فإذا صح أن قبول الماخض إذا تطوع بها جائز ، فليس للساعي أخذها من غير أن يتطوع رب المال بها ، ولرب المال أن يعدل عنها إذا لم يكن في ماله غيرها إلى سن أعلى ويأخذ ، أو إلى سن أسفل ويعطي ، وكذلك لو طرقها الفحل لم يلزمه دفعها كالماخض ، وكان له أن يعدل عنها إلى سن غيرها ، ولو دفع في الغرة أمة موطوءة لزم قبولها . فإن قيل : لم جعلتم طرق الفحل للجذعة كالحمل ، ولم تجعلوا وطء الأمة في الغرة كالحمل ؟
قيل : الفرق بينهما من وجهين :
أحدهما : أن ضراب البهائم غالبه العلوق ، فكان وجوده كوجود الحمل ، وليس الغالب من وطء الآدميات العلوق فلم يكن وجوده كوجود الحمل .
والثاني : أن الحمل في الغرة نقص يمكن الولي استدراكه برده إذا ظهر ، والحمل في الجذعة زيادة لا يمكن رب المال استدراكها إذا ظهرت ، لاقتسام المساكين لها ، والله تعالى أعلم .