الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر مسير عبد الله بن طاهر إلى مصر

في هذه السنة سار عبد الله بن طاهر ( إلى مصر ، وافتتحها ) ، واستأمن إليه عبيد الله بن السري .

وكان سبب مسيره أن عبيد الله قد كان تغلب على مصر ، وخلع الطاعة ، وخرج جمع من الأندلس فتغلبوا على الإسكندرية ، واشتغل عبد الله بن طاهر عنهم بمحاربة نصر بن شبث ، فلما فرغ منه سار نحو مصر ، فلما قرب منها على مرحلة قدم قائدا من قواده [ ص: 546 ] إليها لينظر موضعا يعسكر فيه .

وكان ابن السري قد خندق على مصر خندقا ، فاتصل الخبر به من وصول القائد إلى ما قرب منه ، فخرج إليه في أصحابه ، فالتقى هو والقائد ، فاقتتلوا قتالا شديدا ، وكان القائد في قلة ، فجال أصحابه ، وسير بريدا إلى عبد الله بن طاهر بخبره ، فحمل عبد الله الرجال على البغال ، وجنبوا الخيل ، وأسرعوا السير ، فلحقوا بالقائد وهو يقاتل ابن السري ، فلما رأى ابن السري ذلك لم يصبر بين أيديهم ، وانهزم عنهم ، وتساقط أكثر أصحابه في الخندق ، فمن هلك منهم بسقوط بعضهم على بعض كان أكثر ممن قتله الجند بالسيف .

ودخل ابن السري مصر ، وأغلق الباب عليه وعلى أصحابه ، وحاصره عبد الله ، فلم يعد ابن السري يخرج إليه ، وأنفذ إليه ألف وصيف ووصيفة ، مع كل واحد منهم ألف دينار ، فسيرهم ليلا ، فردهم ابن طاهر ، وكتب إليه : لو قبلت هديتك نهارا لقبلتها ليلا بل أنتم بهديتكم تفرحون ارجع إليهم فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها ولنخرجنهم منها أذلة وهم صاغرون . قال : فحينئذ طلب الأمان . وقيل : كان سنة إحدى عشرة .

وذكر أحمد بن حفص عن أبي السمراء قال : خرجنا مع عبد الله بن طاهر إلى مصر ، حتى إذا كنا بين الرملة ودمشق إذ نحن بأعرابي قد اعترض ، فإذا شيخ على بعير له ، فسلم علينا ، فرددنا عليه السلام ، قال : وكنت أنا وإسحاق بن إبراهيم الرافقي ، وإسحاق بن أبي ربعي ، ونحن نساير الأمير ، وكنا أفره منه دابة ، وأجود كسوة ، قال : فجعل الأعرابي ينظر إلى وجوهنا ، قال : فقلت : يا شيخ ، قد ألححت في النظر ، أعرفت شيئا أنكرته ؟ قال : لا والله ، ما عرفتكم قبل يومي هذا ، ولكني رجل حسن الفراسة في الناس . قال : فأشرت إلى إسحاق بن أبي ربعي ، وقلت : ما تقول في هذا ؟ فقال :

أرى كاتبا داهي الكتابة بين عليه ، وتأديب العراق منير     له حركات قد يشاهدن أنه
عليم بتقسيط الخراج بصير



ونظر إلى إسحاق بن إبراهيم الرافقي فقال : [ ص: 547 ]

ومظهر نسك ما عليه ضميره     يحب الهدايا ، بالرجال مكور
إخال به جبنا وبخلا     وشيمة تخبر عنه إنه لوزير



ثم نظر إلي وقال :

وهذا نديم للأمير ومؤنس     يكون له بالقرب منه سرور
وأحسبه للشعر والعلم راويا     فبعض نديم مرة وسمير



ثم نظر إلى الأمير وقال :

وهذا الأمير المرتجى سيب كفه     فما إن له في العالمين نظير
عليه رداء من جمال وهيبة     ووجه بإدراك النجاح بشير
لقد عظم الإسلام منه بذي يد     فقد عاش معروف ومات نكير
ألا إنما عبد الإله ابن طاهر     لنا والد بر بنا ، وأمير


قال : فوقع ذلك من عبد الله أحسن موقع ، وأعجبه ، وأمر للشيخ بخمسمائة دينار ، وأمره أن يصحبه .

التالي السابق


الخدمات العلمية