الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر إخراج ورفجومة من القيروان

ولما قتل حبيب بن عبد الرحمن عاد عبد الملك بن أبي الجعد إلى القيروان ، وفعل ما كان يفعله عاصم من الفساد والظلم وقلة الدين وغير ذلك ، ففارق القيروان أهلها .

فاتفق أن رجلا من الإباضية دخل القيروان لحاجة له ، فرأى ناسا من الورفجوميين قد أخذوا امرأة قهرا والناس ينظرون فأدخلوها الجامع ، فترك الإباضي حاجته وقصد أبا الخطاب عبد الأعلى بن السمح المعافري فأعلمه ذلك ، فخرج أبو الخطاب وهو يقول : بيتك اللهم بيتك ! فاجتمع ( إليه أصحابه من كل مكان ، وقصدوا طرابلس الغرب ، واجتمع ) عليه الناس من الإباضية والخوارج وغيرهم ، وسير إليهم عبد الملك ، مقدم ورفجومة ، جيشا فهزموه وساروا إلى القيروان ، فخرجت إليهم ورفجومة واقتتلوا واشتد القتال ، فانهزم أهل القيروان الذين مع ورفجومة وخذلوهم ، فتبعهم ورفجومة في الهزيمة ، وكثر القتل فيهم وقتل عبد الملك الورفجومي ، وتبعهم أبو الخطاب يقتلهم حتى أسرف فيهم ، وعاد إلى طرابلس واستخلف على القيروان عبد الرحمن بن رستم الفارسي .

وكان قتل ورفجومة في صفر سنة إحدى وأربعين .

ثم إن جماعة كثيرة من المسودة سيرهم محمد بن الأشعث الخزاعي ، أمير مصر للمنصور ، إلى طرابلس لقتال أبي الخطاب ، وعليهم أبو الأحوص عمر بن الأحوص العجلي ، فخرج إليهم أبو الخطاب وقاتلهم وهزمهم سنة اثنتين وأربعين ، فعادوا إلى مصر ، واستولى أبو الخطاب على سائر إفريقية . فسير إليه المنصور محمد بن الأشعث الخزاعي أميرا على إفريقية ، فسار من مصر سنة ثلاث وأربعين فوصل إليها في خمسين ألفا ، ووجه معه الأغلب بن سالم التميمي ، وبلغ أبا الخطاب مسيره فجمع أصحابه من كل ناحية ، فكثر جمعه وخافه ابن الأشعث لكثرة جموعه .

فتنازعت زناتة وهوارة بسبب قتيل من زناتة ، فاتهمت زناتة أبا الخطاب بالميل إليهم ، ففارقه جماعة منهم ، فقوي جنان ابن الأشعث وسار سيرا رويدا ، ثم أظهر أن المنصور قد أمره بالعود ، وعاد إلى ورائه ثلاثة أيام سيرا بطيئا ، فوصلت عيون أبي الخطاب وأخبرته بعوده ، فتفرق عنه كثير من أصحابه وأمن الباقون ، فعاد ابن الأشعث [ ص: 328 ] وشجعان عسكره مجدا ، فصبح أبا الخطاب وهو غير متأهب للحرب ، فوضعوا السيوف في الخوارج ، واشتد القتال ، فقتل أبو الخطاب وعامة أصحابه في صفر سنة أربع وأربعين ومائة .

وظن ابن الأشعث أن مادة الخوارج قد انقطعت ، وإذا [ هم ] قد أطل عليهم أبو هريرة الزناتي في ستة عشر ألفا ، فلقيهم ابن الأشعث وقتلهم جميعا سنة أربع وأربعين ، وكتب إلى المنصور بظفره ، ورتب الولاة في الأعمال كلها ، وبنى سور القيروان فيها ، وتم سنة ست وأربعين ، وضبط إفريقية ، وأمعن في طلب كل من خالفه من البربر ( وغيرهم ، فسير جيشا إلى زويلة وودان ، فافتتح ودان وقتل من بها من الإباضية ، وافتتح زويلة وقتل مقدمهم عبد الله بن سنان الإباضي وأجلى الباقين . فلما رأى البربر وغيرهم من أهل العبث والخلاف على الأمراء ذلك ) خافوه خوفا شديدا وأذعنوا له بالطاعة . فثار عليه رجل من جنده يقال له هاشم بن الشاحج بقمونية ، وتبعه كثير من الجند ، فسير إليه ابن الأشعث قائدا في عسكر ، فقتله هاشم وانهزم أصحابه ، وجعل المضرية من قواد ابن الأشعث يأمرون أصحابهم باللحاق بهاشم كراهية لابن الأشعث لأنه تعصب عليهم ، فبعث إليه ابن الأشعث جيشا آخر ، فاقتتلوا وانهزم هاشم ولحق بتاهرت ، وجمع طغام البربر ، فبلغت عدة عسكره عشرين ألفا ، فسار بهم إلى تهوذة ، فسير إليه ابن الأشعث جيشا ، فانهزم هاشم وقتلوا كثيرا من أصحابه البربر وغيرهم ، فسار إلى ناحية طرابلس .

وقدم رسول من المنصور إلى هاشم يلومه على مفارقة الطاعة ، فقال : ما خالفت ولكني دعوت للمهدي بعد أمير المؤمنين ، وأنكر ابن الأشعث ذلك وأراد قتلي . فقال له الرسول : فإن كنت على الطاعة فمد عنقك . فضربه بالسيف فقتله سنة سبع وأربعين في صفر ، وبذل الأمان لأصحاب هاشم جميعهم فعادوا .

وتبعهم ابن الأشعث بعد ذلك فقتلهم ، فغضب المضرية واجتمعت على عداوته وخلافه ، واجتمع رأيهم على إخراجه ، فلما رأى ذلك سار عنهم ، ولقيته رسل المنصور بالبر والإكرام ، فقدم عليه ، واستعمل المضرية على إفريقية بعده عيسى بن موسى [ ص: 329 ] الخراساني .

( وكان [ بعد ] مسير ابن الأشعث تأمير الخراساني ثلاثة أشهر ، واستعمل المنصور الأغلب التميمي ، على ما نذكره ) ، في ربيع الأول سنة ثمان وأربعين ومائة .

وإنما أوردنا هذه الحوادث متتابعة لتعلق بعضها ببعض على ما شرطناه ، وقد ذكرنا كل حادثة في أي سنة كانت فحصل الغرضان .

التالي السابق


الخدمات العلمية