الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                          صفحة جزء
                                                                          ( وهي ) أي : اللقطة ( ثلاثة أقسام ) بالاستقراء : الأول ( ما لا تتبعه همة أوساط الناس ) أي : لا يهتمون في طلبه ( كسوط وشسع ) بتقديم المعجمة أحد سيور النعل الذي يدخل بين الأصبعين ( ورغيف ) وثمرة وكل ما لا خطر له ( فيملك بأخذه ) ويباح الانتفاع به نصا لحديث جابر { رخص النبي صلى الله عليه وسلم في العصي والسوط والحبل يلتقطه الرجل ينتفع به } رواه أبو داود ( ولا يلزمه تعريفه ) لأنه من قبيل المباحات ( ولا ) يلزمه ( بدله إن وجد ربه ) الذي سقط منه لملك ملتقطه له بأخذه . وظاهره إن بقي بعينه لزمه رده لربه كما في الإقناع ( وكذا لو لقي كناس ومن في معناه ) كمقلش ( قطعا صغارا متفرقة ) من فضة فيملكها بأخذها ولا يلزمه تعريفها ولا بدلها إن وجد ربها ( ولو كثرت ) بضمها لأن وجودها متفرقة يدل على تعداد أربابها ( ومن ترك دابة ) لا عبدا أو متاعا ( بمهلكة أو فلاة لانقطاعها ) بعجزها عن مشي ( أو عجزه ) أي : مالكها ( عن علفها ) بأن لم يجد ما يعلفها فتركها ( ملكها آخذها ) لحديث الشعبي مرفوعا { من وجد دابة قد عجز عنها أهلها فسيبوها فأخذها فأحياها فهي له } قال عبد الله بن محمد بن حميد بن عبد الرحمن : فقلت يعني للشعبي " من حدثك بهذا ؟ قال غير واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم " رواه أبو داود والدارقطني . وفي القول يملكها إحياؤها وإنقاذها ولأنها تركت رغبة عنها . أشبه سائر ما يترك رغبة عنه ( وكذا ما يلقى ) من سفينة ( خوف غرق ) فيملكه آخذه لإلقاء صاحبه له اختيارا فيما يتلف بتركه أشبه ما لو ألقاه رغبة عنه . القسم ( الثاني : الضوال ) جمع ضالة اسم للحيوان خاصة دون سائر اللقطة ويقال لها : الهوامي والهوافي والهوامل ( التي تمتنع من صغار السباع ) كذئب وابن آوى وأسد صغير وامتناعها إما لكبر جثتها ( كإبل وبقر وخيل وبغال وحمير ) أهلية [ ص: 378 ] خلافا للموفق فيها ( و ) إما لسرعة عدوها ك ( ظباء و ) إما بطيرانها ك ( طير و ) إما بنابها ك ( فهد ونحوها ) كنعامة وفيل وزرافة وقرد وهر وقن كبير ، ( فغير ) القن ( الآبق يحرم التقاطه ) لقوله عليه الصلاة والسلام { ما لك ولها دعها فإن معها حذاءها وسقاءها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يجدها ربها } " ولحديث { لا يؤوي الضالة إلا ضال } رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه ( ولا يملك ) ما حرم التقاطه ( بتعريف ) لعدوانه لعدم إذن المالك والشارع فيه . أشبه الغاصب ، وسواء كان بزمن الأمن أو الفساد والإمام غيره ( ولإمام ونائبه أخذه ليحفظه لربه ) لا على أنه لقطة ; لأن له نظرا في حفظ مال الغائب . وفي أخذه لها لذلك مصلحة لربها لصيانتها ( ولا يلزمه ) أي : الإمام أو نائبه ( تعريفه ) أي : ما أخذه منها ليحفظه لربه ; لأن عمر لم يكن يعرف الضوال ، ولأن ربها يجيء إلى موضع الضوال فإذا عرفها أقام البينة عليها وأخذها ( ولا يؤخذ منه ) أي : الإمام أو نائبه ما أخذه من الضوال لحفظه ( بوصف ) فلا يكفي في الضالة ; لأنها كانت ظاهرة للناس حين كانت بيد ربها ، فلا يختص بمعرفة صفاتها ، وتمكنه إقامة البينة عليها لظهورها للناس . ويشهد الإمام أو نائبه على ما يحصل عنده من الضوال ويسمها . ثم إن كان له حمى تركها ترعى فيه ، وإن رأى مصلحة في بيعها وحفظ ثمنها أو لم يكن له حمى باعها بعد أن يحليها ويحفظ صفاتها ، وحفظ ثمنها لربها وليس لغير الإمام أو نائبه أن يأخذها ليحفظها لربها لأنه لا ولاية له عليه ( ويجوز التقاط صيود متوحشة لو تركت رجعت إلى الصحراء بشرط عجز ربها ) عنها ; لأن تركها إذن أضيع لها من سائر الأموال والمقصود حفظها لمالكها لا حفظها في نفسها ( ولا يملكها ) آخذها ( بالتعريف ) لأنه يحفظها لربها فهو كالوديع . و ( لا ) يجوز التقاط ( أحجار طواحين وقدور ضخمة وأخشاب كبيرة ) ونحوها مما يتحفظ بنفسه لأنها لا تكاد تضيع عن صاحبها ولا تبرح من مكانها فهي أولى بعدم التعرض لها من الضوال لتعرضها في الجملة للتلف إما بسبع أو جوع أو عطش ونحوه بخلاف هذا ( وما حرم التقاطه ) إن أخذه ( ضمنه آخذه إن تلف أو نقص كغاصب ) لعدم إذن الشارع فيه و ( لا ) يضمن ( كلبا ) مع تحريم التقاطه لأنه ليس بمال ( ومن ) التقط ما لا يجوز التقاطه و ( كتمه ) عن ربه ثم ثبت ببينة أو إقرار ( فتلف ف ) عليه ( قيمته مرتين ) لربه نصا . لحديث { في الضالة المكتومة غرامتها ومثلها معها } [ ص: 379 ] قال أبو بكر في التنبيه : وهذا حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يرد ( ويزول ضمانه ) أي المحرم التقاطه ( بدفعه إلى الإمام أو نائبه ) ; لأن له نظرا في مال الغائب ( أو رده ) أي : المأخوذ من ذلك ( إلى مكانه ) المأخوذ منه ( بأمره ) أي : الإمام أو نائبه لقول عمر لرجل وجد بعيرا " أرسله حيث وجدته " رواه الأثرم ولأن أمره برده كأخذه منه . فإن رده بغير أمره فتلف ضمنه كالمسروق والمغصوب . القسم ( الثالث : ما عداهما ) أي : القسمين السابقين ( من ثمن ) أي : نقد ( ومتاع ) كثياب وكتب وفرش وأوان وآلات حرث ونحوها ( وغنم وفصلان ) بضم الفاء وكسرها جمع فصيل ولد الناقة إذا فصل عن أمه ( وعجاجيل ) جمع عجل ولد البقرة ( وأفلاء ) بالمد جمع فلو ، بوزن سحر وجرو وعدو وسمو . وهو الجحش والمهر إذا فطما أو بلغا السنة . قاله في القاموس ( وقن صغير ) ومريض من كبار إبل ونحوها كالصغير ( ونحو ذلك ) كخشبة صغيرة وقطعة حديد ونحوه وزق دهن أو عسل وغرارة نحو بر ( فيحرم على من لا يأمن نفسه عليها ) أي : اللقطة مما ذكر ( أخذها ) لما فيه من تضييعها على ربها كإتلافها وكما لو نوى تملكها في الحال أو كتمانها ( ويضمنها به ) أي : بأخذها من لا يأمن نفسه عليها إن تلفت ، فرط أو لا ، لأنه غير مأذون فيه . أشبه الغاصب ( ولم يملكها ) من لا يأمن نفسه عليها ( ولو عرفها ) لأن السبب المحرم لا يفيد الملك كالسرقة ، والخبر مخصوص ( وإن أمن ) الملتقط ( نفسه ) عليها ( وقوي على تعريفها فله أخذها ) للخبر في النقدين والشاة ، وقيس على ذلك غيره مما ذكر ، لأنه في معناه ، وسواء الإمام وغيره . فإن عجز عن تعريفها فليس له أخذها ، ، وإن أخذها بنية الأمانة ثم طرأ قصد الخيانة فاختار الموفق لا يضمنه وصححه الحارثي ( والأفضل ) لمن أمن نفسه عليها وقوي على تعريفها ( تركها ) أي : اللقطة . فلا يتعرض لها . روي عن ابن عباس وابن عمر ( ولو ) وجدها ( بمضيعة ) ; لأن فيه تعريضا لنفسه لأكل الحرام وتضييع الأمانة فيها ( ومن أخذها ثم ردها إلى موضعها أو فرط ) فيها فتلفت ( ضمنها ) لأنها أمانة حصلت في يده فلزمه حفظها كسائر الأمانات . وتركها والتفريط فيها تضييع لها ( إلا أن يأمره الإمام أو نائبه بردها ) إلى موضعها فيبرأ به . وكذا لو دفعها للإمام أو نائبه ; لأن له نظرا في المال الذي لا يعرف مالكه . فإن تلفت منه في حول التعريف بلا تفريط لم يضمنها

                                                                          التالي السابق


                                                                          الخدمات العلمية