الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فإذا تقرر ما ذكرنا من وجوب ما شرطه من المشي والركوب ، فخالف شرطه فركب ، وقد شرط أن يمشي ومشى ، وقد شرط أن يركب فحجه مجزئ عن نذره ؛ لأنه ليس حج النذر بأوكد من حجة الإسلام ، ولا المشي والركوب بأوكد من تقديم الإحرام ، ولا يمنع ذلك من إجراء الفرض ، فكان أولى أن لا يمنع من إجزاء النذر ، وإذا كان كذلك وجب جبران ما آخره من الإحرام ، وفي وجوب جبران ما تركه من المشي والركوب ثلاثة أوجه :

                                                                                                                                            [ ص: 472 ] أحدها : لا يجب عليه جبرانهما ؛ لاختصاص الجبران بالمناسك الشرعية ، وليس المشي والركوب بنسك مشروع .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : يجب عليه جبرانهما بدم فيفتدي المشي إذا ركب ، ويفتدي الركوب إذا مشى ؛ لأنهما قد صارا بالشرط من حقوق حجه ، فجرى عليهما حكم المناسك الشرعية ، وقد روى عبد الله بن عبد الملك عن عقبة بن عامر الجهني أن أخته نذرت أن تمشي إلى بيت الله حافية غير مختمرة ، فذكر ذلك عقبة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : مر أختك فلتركب ولتختمر ولتصم ثلاثة أيام .

                                                                                                                                            والوجه الثالث : وهو أشبه أن عليه أن يفتدي المشي ، إذا ركب ولا يفتدي الركوب إذا مشى ؛ لأنه قد ترفه بترك المشي ، ولم يترفه بترك الركوب ، فإذا قيل : بسقوط الفدية فيهما استوى حكم تركهما بعذر وغير عذر .

                                                                                                                                            وإذا قيل بوجوب الفدية فيهما ، وجبت في تركهما بغير عذر لقدرة الماشي على المشي وقدرة الراكب على الركوب ، وفي وجوبهما في تركهما لعذر لعجز الماشي بالمرض ، وعجز الراكب بالعسرة وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : تسقط الفدية بالعجز ؛ لاستقرار الشرع على سقوط ما عجز عنه .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : تجب الفدية مع العجز ، لتوجه العجز إلى الفعل ، دون الفدية ، فيسقط ما عجز عنه من الفعل ، ولم يسقط ما يقدر عليه من الفدية ؛ لأن الفدية من مناسك الحج ، تجب على المعذور ، وغير المعذور كالفدية في الحلق ، واللباس فإذا استقر وجوب هذه الفدية ففيها وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : أنها فدية ترك ؛ لأنه تارك للمشي المشروط ، وتارك لما شرطه من نفقة الركوب ؛ فصار كالمتمتع الذي وجب عليه الفدية بترك الإحرام من ميقات بلده في أحد نسكيه ، فعلى هذا تكون الفدية دم شاة ، فإن أعسر بها صام عشرة أيام .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أنها فدية ترفيه ؛ لأنه قد ترفه في ترك المشي بالركوب وترفه في ترك الركوب بسقوط النفقة ؛ فصار كفدية الحلق الذي ترفه به ، فعلى هذا يكون مخيرا في الفدية بين دم شاة ، أو إطعام ثلاثة آصع ستة مساكين ، أو صيام ثلاثة أيام ، وهذا أشبه بحديث عقبة بن عامر .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية