فصل : فإذا تقرر ما ذكرنا من وجوب ما شرطه من المشي والركوب ، فخالف شرطه فركب ، وقد شرط أن يمشي ومشى ، وقد شرط أن يركب فحجه مجزئ عن نذره ؛ لأنه ليس حج النذر بأوكد من حجة الإسلام ، ولا المشي والركوب بأوكد من تقديم الإحرام ، ولا يمنع ذلك من إجراء الفرض ، فكان أولى أن لا يمنع من إجزاء النذر ، وإذا كان كذلك وجب جبران ما آخره من الإحرام ، وفي وجوب ثلاثة أوجه : جبران ما تركه من المشي والركوب
[ ص: 472 ] أحدها : لا يجب عليه جبرانهما ؛ لاختصاص الجبران بالمناسك الشرعية ، وليس المشي والركوب بنسك مشروع .
والوجه الثاني : يجب عليه جبرانهما بدم فيفتدي المشي إذا ركب ، ويفتدي الركوب إذا مشى ؛ لأنهما قد صارا بالشرط من حقوق حجه ، فجرى عليهما حكم المناسك الشرعية ، وقد روى عبد الله بن عبد الملك عن عقبة بن عامر الجهني عقبة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : مر أختك فلتركب ولتختمر ولتصم ثلاثة أيام . أن أخته نذرت أن تمشي إلى بيت الله حافية غير مختمرة ، فذكر ذلك
والوجه الثالث : وهو أشبه أن عليه أن يفتدي المشي ، إذا ركب ولا يفتدي الركوب إذا مشى ؛ لأنه قد ترفه بترك المشي ، ولم يترفه بترك الركوب ، فإذا قيل : بسقوط الفدية فيهما استوى حكم تركهما بعذر وغير عذر .
وإذا قيل بوجوب الفدية فيهما ، وجبت في تركهما بغير عذر لقدرة الماشي على المشي وقدرة الراكب على الركوب ، وفي وجوبهما في تركهما لعذر لعجز الماشي بالمرض ، وعجز الراكب بالعسرة وجهان :
أحدهما : تسقط الفدية بالعجز ؛ لاستقرار الشرع على سقوط ما عجز عنه .
والوجه الثاني : تجب الفدية مع العجز ، لتوجه العجز إلى الفعل ، دون الفدية ، فيسقط ما عجز عنه من الفعل ، ولم يسقط ما يقدر عليه من الفدية ؛ لأن الفدية من مناسك الحج ، تجب على المعذور ، وغير المعذور كالفدية في الحلق ، واللباس فإذا استقر وجوب هذه الفدية ففيها وجهان :
أحدهما : أنها فدية ترك ؛ لأنه تارك للمشي المشروط ، وتارك لما شرطه من نفقة الركوب ؛ فصار كالمتمتع الذي وجب عليه الفدية بترك الإحرام من ميقات بلده في أحد نسكيه ، فعلى هذا تكون الفدية دم شاة ، فإن أعسر بها صام عشرة أيام .
والوجه الثاني : أنها فدية ترفيه ؛ لأنه قد ترفه في ترك المشي بالركوب وترفه في ترك الركوب بسقوط النفقة ؛ فصار كفدية الحلق الذي ترفه به ، فعلى هذا يكون مخيرا في الفدية بين دم شاة ، أو إطعام ثلاثة آصع ستة مساكين ، أو صيام ثلاثة أيام ، وهذا أشبه بحديث عقبة بن عامر .